جريدة الراية: الخير باقٍ في جيوشنا رغم أنف المبطلين


جريدة الراية: الخير باقٍ في جيوشنا رغم أنف المبطلين

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

الجيوش هي القوة التي تستخدمها الأمة لنصرة دينها وتستخدمها الدولة لحماية كيانها، وتحقيق الأمن فيها ومواجهة أعدائها. والوضع الطبيعي أن تكون الدولة بنظامها معبرة عن عقيدة الأمة ونظامها، فإن كانت كذلك فلا إشكال لأن دور الجيش فيها يكون منسجما مع هذه العقيدة ونظامها فيحافظ على وحدة الأمة ويحمي ثغور الدولة ويدفع عنها عدوها ويحمل فكرتها إلى العالم.

أما إن كانت الدولة تحمل عقيدة غير عقيدة الأمة وتطبق أنظمة لا تنبثق من هذه العقيدة، واستخدمت الجيش لحماية نظم فاسدة، وأفكار وافدة وعقائد خليطة، أو كانت هذه النظم مدعية أنها تحمل عقيدة الأمة لكن ولاءها للكفار ظاهر بيّن لا تخطئه العين، وتستخدم الجيش خدمة لهذا الولاء، عندها تكون الإشكالية التي تعيشها الأمة اليوم مع جيوشها.

فالمسلمون اليوم في نظرتهم لهذه الجيوش اختلفوا اختلافا شديدا بينَ من يرى هذه الجيوش كافرة يجب قتالها والقضاء عليها؛ لأنها تحمي أفكار الكفر ونظمه وتحافظ على الأوضاع التي يريدها الكافر المستعمر، ويجعلون حكمهم على الحكام متعديا إلى الجيوش مستدلين بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ وهذه الآية نزلت في جنود هم كفار أصلا ليس لأنهم عاونوا فرعون أو ناصروه بل لأنهم كفار مقيمون على دين كفر.

وهؤلاء الذين رأوا أن الجيوش كافرة حشدوا حشودهم وجمعوا من طاقات الأمة ما استطاعوا وصاروا يحاربون هذه الجيوش مستبيحين دماء أبنائهم، بل ويرون أنفسهم مجاهدين في سبيل الله، يفرحون بقتل هؤلاء الجنود كأنهم يقتلون كفارا حربيين لا حرج في استباحة دمائهم!

والحق أن إجرام الحكام واستباحتهم للدماء وقتلهم للشباب في السجون لمجرد الانتماء السياسي، وأساليب التعذيب البشعة التي يمارسونها في سجونهم ويتخذون من أذنابهم وسيلة لذلك، قد مهّدت الطريق ليقول هؤلاء ما قالوا لأن إحساسهم العميق بالظلم الذي تنوء به الجبال، قد رسّخ في أنفسهم أن العذاب الذي يلقونه لا يمكن أن يصدر عن مسلم، فجعلوا كل من يعمل في أية مؤسسة تابعة لهذه الدول كافرا خالصا لا يُقبل منه صرف ولا عدل.

وفي المقابل فإن الأمة في غالبها ترى هذه الجيوش – رغم ما يقع من بعض أفرادها المبرمجين لخدمة الباطل، المسخرين لنصرة الحكام، دون تفكير ولا نظر – تراهم أبناءَ الأمة تم اختطافهم وتوجيههم في مسارات خادمة لحكام مجرمين ويرون استهداف هذه الجيوش خللا عظيما يسهّل على القوة الخادمة للاستعمار من حكامنا وللأوساط المحيطة بهم، تمرير دعواهم بأن الأمة تتهيأ للانقضاض عليهم هم والحكام، فلا بد أن يتصدى الجيش لأية حركة تستهدف التغيير قبل أن تظهر، وبالتالي تزداد العلاقة قوة بين الحكام العملاء والجيوش لأنهم يصبحون فريقا واحدا.

لذلك فإن الإعلان الدائم أن هذه الجيوش جيوشنا وأنهم أبناؤنا يقطع الطريق على الحكومات المارقة التي تطوع الجيوش لخدمة مصالحها. كما أن الأمة إذا استهدفت الجيش الذي هو معقل القوة ومحل المنعة فيها، فإنها تكون كمن يحطم جسده بنفسه!

ما هو الطريق لبعث الخير الكامن في الجيش:

مما لا شك فيه أن هذه الجيوش تكاد تكون هي خيارنا الوحيد للوصول إلى امتلاك إرادة الأمة السليمة، لأن كسب الجيش يعني كسب القوة التي تنصر الأمة وتمكنها من ملك إرادتها فعلا وتحطيم القوى المعادية وردها عن حياض المسلمين، لذلك ينبغي أن تنصبّ الجهود الحثيثة لتحطيم الحواجز بين الأمة وجيوشها حتى تستطيع الأمة أن تمتلك سلطانها المغتصب فعلا.

أما تحطيم الحواجز بين الأمة وجيوشها لاستخراج خيرها فيكون كما يأتي:

أولا: إيجاد القناعة الراسخة عند الجيوش كما هي لدى الأمة أن هؤلاء الحكام لا يحكمون بما أنزل الله ولا يرجعون حكمهم إلى عقيدة الإسلام، بل هم يروجون للانحلال والتفلت من ضوابط الشريعة ويشيعون الفواحش عمدا ويظهرون الفساد قصدا، وأن مساندتهم في هذا حرام لا تحل لأحد لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

ثانيا: بث مفاهيم الإسلام الفاعلة المحركة لهذه الجيوش، وترسيخ عقيدة الإسلام في خطابنا لها بدعوتها إلى تعظيم حكمه وشريعته، وإلى ضرورة التغيير بما تقتضيه عقيدة الإسلام، التي نعتز بها ونرتفع بجعلها مقياسا ومرجعا يرجع إليه في الأمور كلها، فنخاطبها بحرمة نصر الباطل وحرمة البغي على المسلمين وفظاعة الظلم والعدوان الذي يمارس ضد المسلمين، وأن الله لا ينصرنا بغير الأخذ بهذه المفاهيم قولا وعملا.

ودوام مخاطبة الجيوش بالمفاهيم الإسلامية المؤثرة الفاعلة كفيل بأن يزيل الغشاوة عن عيون هؤلاء الجنود الذين تغشاهم من الغفلة والتجهيل والتضليل ما جعلهم بعيدين عن جادة الهدى.

ثالثا: إبراز مواطن الفجور التي يأتيها حكامنا من ولاء للكفار وترويج لأباطيلهم وترسيخهم لأفكار الكفر في الإعلام ومناهج التعليم بل على منابر العلم والتوجيه، وبيان حقيقة العلاقات الراسخة بين حكام الأمة التابعين وبين أسيادهم الكفار الذين يوجهونهم، وذلك بفضح الأدوار المشبوهة التي يمارسها الحكام في بلاد المسلمين.

رابعا: إظهار الحالات التي تنعتق فيها الجيوش من إسار الأوامر الخبيثة وما يتبع هذا الانعتاق من العز والنصر الذي يتطلع إليه المسلمون، وتذكير هذه الجيوش بالحالات التي اختلفت فيها النتائج عندما خرجت الجيوش عن مساراتها كما حدث في معركة الكرامة على حدود فلسطين الشرقية وكما وقع في حرب 73 بين الجيش المصري وكيان يهود. وما حدث من مواقف مشرفة لجيوش المسلمين في التاريخ المعاصر.

خامسا: إظهار الآثار العظيمة التي تنشأ من آحاد الجنود والضباط عندما يخرجون من غفلتهم ويبصرون حقيقة عدوهم فيظهر ذلك في أعمال بطولية كما وقع من الجنود المصريين سليمان خاطر وأيمن حسن وكما وقع من الجنود الأردنيين ومنهم أحمد الدقامسة وما وقع أخيرا من الجندي المصري البطل محمد صلاح الذي لقن العدو الغاشم المعتدي درسا أرغمه على إعادة كل الحسابات، فكل هذا يثير الحياة من جديد في هذه الجيوش ويقوي من فرص صلاحها.

سادسا: دوام تذكير هذه الجيوش بالنكبات التي وقعت على الأمة من جراء متابعتها للحكام من فقر وضياع وتجهيل واغتصاب للحرائر وانتهاك للمقدسات ونهب للثروات وسفك للدماء وتسلط من السفهاء وحروب بينية طاحنة، وغير ذلك من المصائب التي يشيب لها الولدان.

سابعا: إظهار المواطن التي كان لجيوش المسلمين على مدى التاريخ فيها مواقف مؤثرة محققة للنصر وماحقة للظلم ومحاربة للفساد، وما أكثرها في تاريخ المسلمين.

ثامنا: بيان الخسران العظيم بطاعة هؤلاء الحكام العملاء وولائهم وأن النجاة عند الله تعالى تكون بمعصيتهم فيما يأمرون الناس به من الفساد والباطل.

وبالدوام على هذا نستطيع أن نثير الحياة في جيوش الأمة من جديد. لذلك ينبغي ألا تغيب هذه الأمور عن عيون الأمة وحملة الدعوة فيها حتى يكرمنا الله بخلافة على منهاج النبوة تستقيم بها أمورنا وتنشرح بها صدورنا وتعز بها أمتنا ويقوم بها ديننا.

بقلم: الشيخ يوسف مخارزة

جريدة الراية: نداء إلى أهل الحل والعقد المخلصين في السودان


جريدة الراية: نداء إلى أهل الحل والعقد المخلصين في السودان

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

بعد التحية والتقدير، تستحقون هذا الخطاب لأنكم وجهاء الناس وأعلامهم وملح أرضهم، وأنتم أكثر الناس إدراكاً للخطر الذي يحدق بنا، وسوء الحال والمآل الذي يهددنا، سائلين الله تعالى أن يرفع عنا وعن المسلمين جميعا المصائب والفتن ما ظهر منها وما بطن.

كما تعلمون فإن الله تعالى قد أمرنا في آيتين فقط بستة أوامر في سبع نقاط في سورة الحجرات عند اقتتال المسلمين كما في الآيتين 9-10 منها، فهي أحكام وأوامر واضحة ليس فيها غشاوة.

قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ فقد أمر تعالى في الآيتين بالآتي:

1- ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ وهو هدف سامٍ يعصم الدماء والأرواح الحرام ويوقف القتال بين المسلمين، فقد جاءت آيات القرآن تؤكد أن القتال بين المسلمين ليس طبيعيا، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً﴾، بل هو محرم مذموم، قال النبي ﷺ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

2- يقول الله تعالى: ﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله﴾. والقتال في هذه الحالة بعد تحرك المسلمين للإصلاح ومقابلة الطرفين، والسماع منهما، والحث على الصلح، فإن رفض طرف وأبى إلا القتال والبغي، وجب قتاله قتال تأديب ورده إلى جادة الحق. فليس هنا فرصة لتدخل الدول الاستعمارية ولا منظماتها مثل الأمم المتحدة وغيرها في هذا الشأن الذي جعله خالصا للمسلمين.

3- قال تعالى: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾: فإذا استجابت الفئة الباغية بعد قتالها واستسلمت، ورجعت إلى الحق فلا يجوز قتالها، ولا أسر رجالها، ولا الإجهاز على جريحها، ولا سلب أموالها. وإن اعتدت على حقوق للناس انتزعت منها.

جاء في تفسير (الجامع لأحكام القرآن) للإمام القرطبي في تفسير الآية، قال ابن عمر: قال النبي ﷺ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَدْرِي كَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟» قال: الله ورسوله أعلم. فقال: «لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهَا وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهَا وَلَا يُطْلَبُ هَارِبُها وَلَا يُقْسَمُ فَيْؤُهَا».

4- قال تعالى: ﴿وَأَقْسِطُوا﴾: جاء في تفسير السعدي رحمه الله: هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح، فإن الصلح، قد يوجد، ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به، فيجب أن لا يراعى أحدهما لقرابة، أو وطن، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض، التي توجب العدول عن العدل، ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

5- قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ثم لفت الله تعالى نظر المؤمنين عند الصلح أو القتال لينتبهوا إلى رباط الإيمان والإسلام وأخوة الدين والعقيدة. أورد القرطبي: “قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب”.

6- ﴿إنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم﴾: تكرر الأمر ﴿فَأَصْلِحُوا﴾ للمرة الثالثة على التوالي في آيتين فقط، ما يزيد التأكيد والتشديد على أن الله تعالى لا يرضى قتال المسلم للمسلم وأنه لا بد من تدخل المسلمين للإصلاح وإيقاف إراقة الدم الحرام.

7- ﴿وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾: فقد أمر الله تعالى المسلمين بالتقوى وامتثال أوامره عند اقتتال المسلمين فلا ينحازوا ولا يؤججوا الصراع لأغراض ومآرب أنانية دنيوية، جاء في تفسير جامع البيان، للإمام الطبري: “يقول تعالى ذكره: وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل”.

أخيرا: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾: فإن نتيجة هذا الجهد للإصلاح هو نزول الرحمة والبركة وبسط الأمن والاستقرار وصرف الضائقات والمصائب والبلاء والغلاء والفتن والمحن عن المسلمين. يقول الإمام السعدي في تفسير ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾: “إذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين، من أعظم حواجب الرحمة”.

أيها العلماء والأئمة ووجهاء الناس وقياداتهم: لنا دور كبير نحن المسلمين في تحقيق هذه الأوامر الربانية ابتغاء وجه الله تعالى ونوالا لرضوانه سبحانه، دون ميول عنصرية ولا تصفية حسابات سياسية.

لقد عُرض هذا الخطاب على عدد كبير من الأئمة والوجهاء في الأحياء فاستبشروا به خيرا.

صحيح أن هناك من يرى عدم الصلح لتصفية حسابات قبلية أو سياسية، فيرى إطالة أمد الحرب بألفاظ لا تليق بالمسلم المنضبط بشرع ربه مثل (بلوهم) (أبيدوهم)…إلخ، وهناك من يرى أن من اعتدى على الناس وأموالهم وأعراضهم لا يجوز الصلح معه فيقول: “لن نوقف الحرب حتى نقضي عليهم”.

مع العلم أن حرب دارفور مستمرة لنحو عشرين عاما وما زالت الحركات في دارفور بجنودها وأسلحتها ومنهم من ينادي بالانفصال وتمزيق جديد لجسد البلاد كما حصل في انفصال الجنوب، فمن المستفيد من استمرار القتال؟!

والأخطر من ذلك هو تدخل الدول الاستعمارية وسفاراتها ومنظماتها لتتكسب من هذا القتال واستغلاله لتنفيذ أجندتها لتصنع الهدن تلو الهدن، وتخرج رعاياها سالمين من الحرب وآثارها. وفينا من يرى استمرار القتال وتعطيل أحكام حرمة القتال بين المسلمين غير آبه بالآثار الكارثية للحرب على الدماء والأرواح والأعراض والأموال.

أغلب من ينادون بالحرب لم يلتزموا بنص الآية التي كررت الدعوة إلى الصلح والقسط والعدل والتشديد على أخوة الإيمان، ثم إذا رفضت إحدى الفئتين الصلح وجب قتالها بعد الحرب. أما اليوم فإنهم ينفخون في نار الحرب التي سيطفئها الله سبحانه طال الزمان أو قصر، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾. للأسف من الداعين لاستمرار الحرب أصحاب منصات خارجية تتكسب من الحرب، منها قنوات فضائية، وصفحات في وسائط التواصل الإلكتروني، وغيرها، فوجب فضحهم وكشف مخططهم.

لا يعني إيقاف الحرب الدعوة إلى العلمانية أو الدولة المدنية الديمقراطية شريعة المستعمر ونظامه، فالمسلم لا يتلاعب بالأحكام الشرعية ليوقف الحرب بها وعندما تتوقف الحرب يسعى لتطبيق غيرها.

إن الواجب على المسلمين حسب النصوص الشرعية أن يجمعوا كلمة المسلمين ويوحدوا طاقتهم ويحلوا مشاكلهم بالإسلام فقط دون تدخل من أعدائهم المتربصين بهم، فينظموا صفوفهم ويطبقوا شرع ربهم بدولة تخلف النبي ﷺ في إقامة الدين وسياسة الدنيا، فالإسلام ليس كهنوتا وإنما له دولة سماها النبي الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، يبايع فيها الحاكم لإقامة الدين والشرع. ولقد جاء النص الشرعي واضحا أن الذي يموت ولا يبايع خليفة يقيم الدين ويطبق الشرع فإنه آثم كما قال النبي ﷺ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

ختاما: إن للالتزام بشرع الله تعالى ثمرات وبشريات؛ فبه يتحقق العدل ويبسط الأمن، وبه يمنع المسلمون عدوهم من التدخل في شؤونهم كما يحدث اليوم.

فالإسلام نظام كامل شامل، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾. فبشرع الله وحده تعالج المشاكل ويعم الخير والرخاء؛ لذا وجب الرجوع إليه والاحتكام له وحل المشاكل به. قال تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)

مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: مصر على المحك هل ستصبح مصر لبنان جديدا؟!


جريدة الراية: مصر على المحك هل ستصبح مصر لبنان جديدا؟!

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية، أصبح فوق احتمال الناس، والنظام لا يملك حلولا ولا يبحث حتى عن حلول وإنما يعنيه فقط كيف سيتعامل مع أقساط القروض وعوائدها الربوية وخدماتها وما تفرضه من شروط، وليس أمام النظام إلا الناس لدفع فواتير تفريطه في ثروات مصر وإفراطه في إغراقها بمستنقع القروض، وقد نشر موقع مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل تقريرا شارك فيه ريكاردو فابياني ومايكل وحيد حنا قالا فيه: “إن مصر على الميزان، فهي تواجه أزمة اقتصادية وقد تعرقل سياساتها المحلية والخارجية والاقتصادية، وتعمق خيبة الأمل العام والتي قد تغذي حالة من عدم الاستقرار”. (القدس العربي)

وقالت المجموعة: “مرت مصر بإخفاقات اقتصادية من قبل، لكن مشاكل اليوم مختلفة، وبدلاً من تقديم خطة إنقاذ غير مشروطة، يعمل شركاء الخليج مع صندوق النقد الدولي – الذي أقرض الحكومة بالفعل 3 مليارات دولار – للضغط على القاهرة لإجراء إصلاحات هيكلية”. (علامات أونلاين 3/6/2023م)

“هناك أوجه شبه لافتة للانتباه بين الاقتصاد اللبناني الفاشل والاقتصاد المصري الذي يصارع”، كما يقول البروفيسور روبيرت سبرينغبورغ من جامعة سايمون فريزر، وذلك في تقرير قدمه في 2022 للمنظمة غير الربحية مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومقرها واشنطن”، ويضيف محذرا: “تبعات انهيار الثقة في لبنان كانت كارثية. ولكنها ستبدو بلا معنى ولا تقارن بما يمكن أن يحدث في مصر لو تكرر الوضع نفسه هناك”. (قناة DW عربية)

في ضوء ما يصدر من تقارير تخص الاقتصاد المصري ورغم ما تطرحه من حلول رأسمالية إلا أنها تنذر بكوارث لا قِبَل لأحد بها، فكل تلك الحلول أثبتت فشلها، وجلها تزيد الأزمة عمقا والباقي لا يخرج عن كونه مسكنات بعدها يصطدم الناس بأزمات أقوى، فكل الحلول الرأسمالية لا تخرج عن إطار القروض والمنح والمساعدات وبيع الأصول والتفريط في الموارد والثروات طبعا لصالح الغرب وشركاته الرأسمالية، ففعليا تضاعفت أسعار السلع والمواد الغذائية ما بين الضعفين إلى الأربعة في عام واحد فارتفع سعر كيلو الأرز من 8 جنيهات حتى تخطى حاجز الـ30 جنيها، بخلاف الزيت والسكر واللحوم والدواجن التي أصبح شراؤها يكلف ثروة، بينما انخفضت قيمة الرواتب والدخول إلى ما يقارب الثلث أو الربع فعليا ومن حيث القيمة الشرائية تحت وطأة التضخم المصاحب للخفض المستمر لقيمة الجنيه الذي انخفض خلال أقل من عام ونصف من 15.65 إلى 30.9 مقابل الدولار بينما تخطى حاجز الـ40 جنيها في السوق الموازي مع توقع الانخفاض المستمر، الأمر الذي يبين لنا أن حال لبنان ربما يصبح حلما بالنسبة لأهل مصر رغم ما يقال عن أوجه التشابه بينهما، ففي مصر لا توجد ثقة أصلا في النظام ولا في سياساته وقراراته والجميع يعلم بمن فيهم النظام ومنفذوه أنفسهم أنهم لا يملكون حلولا، حتى إنهم لا يسعون للبحث عن حلول وإنما كل ما يعنيهم تثبيت أركان النظام المعوجة بأخذ الرضا والحظوة من الغرب ومؤسساته الاستعمارية الداعمة وتلبية كل رغباتهم وما يخدم مصالحهم، ولو استمر الوضع على ما نرى فإن مصر لن تكون على المحك بل ستسقط في دوامة لا فكاك منها وستعتصرها أزمات لا يعلم مداها إلا الله. والناس لم تعد تتحمل سياسات النظام الكارثية التي تعصف بهم، فالخفض المستمر لقيمة الجنيه لا يخدم إلا المستثمرين الأجانب بما يعطيهم من مرونة في إخراج أرباحهم الهائلة من السوق المصري في صورة دولار، بينما يرهق أهل مصر لاعتمادهم في جل استهلاكهم على الاستيراد، فمصر تستورد ما يزيد على 85% من استهلاكها حتى صارت الأولى عالميا في استيراد القمح، فضلا عما تستورده من باقي السلع، فخفض قيمة العملة وبنظرة رأسمالية يخدم بلدا منتجا تلقى منتجاته مرونة وإقبالا في الطلب لا بلدا يستورد سلعه الاستراتيجية من زراعات ومنتجات بينما لديه كل ما يؤهله لزراعتها وإنتاجها. وقديما كانت هناك مقولة تتصدر الصحف العالمية (مصر تنتج والعالم يستهلك) وهي حقيقة تستطيع مصر تحقيقها الآن بما تملك من مساحات واسعة صالحة للزراعة وما لديها من طاقات بشرية هائلة لن نقول معطلة بل مهدرة بسبب سياسات النظام التي لا تريد استغلالها وتعتبرها سبب أزمتها الاقتصادية بينما لولاها للفظ النظام أنفاسه، فهم من يهربون للخارج ويحولون أموال عملهم للداخل كعملة صعبة يستفيد منها النظام بل ويستجديها.

وإن هذه الطاقات لو امتزجت مع ما تملكه مصر من موارد وثروات ومساحات واسعة صالحة للزراعة ومسطحات مائية كبيرة تمكن من الصيد وما يرتبط به من صناعات، فكيف لو وزعت هذه الأراضي على الشباب، وطلب منهم زراعة القمح والأرز وكافة الزراعات الاستراتيجية التي تكفي البلاد وتمكنها من التصدير، كيف سيكون حال مصر حينها؟ وكيف لو أنشئت عوضا عن القرى السياحية قرى ومدن للصيد؟ وزودت بالمصانع المغذية والقائمة على ما يخرج من الماء من خير ورزق هل سيبقى في البلاد عاطل واحد عن العمل؟ وهل حينها سنحتاج للسياحة وما فيها من مهن دونية لا نرتضيها لأبنائنا؟ ولا يقولن قائل إن مصر فقيرة وشحيحة الموارد وتعتمد فقط على السياحة وتحويلات المصريين في الخارج، فمصر تملك النفط والغاز والذهب بكميات هائلة لو وضعت أيديها على منابع تلك الثروات ومواردها بشكل حقيقي وتعاملت معها على الوجه الشرعي، فأحسنت إنتاجها واستغلالها وأنفقتها على الناس وفي مصالحهم، حينها ستتوفر كل الموارد الداعمة للزراعة والصناعة والإنتاج، وقطعا سيكون أساس الصناعة فيها الصناعات الثقيلة أي صناعة الآلات التي تصنع المصانع والتي هي أساس كل نهضة صناعية حقيقية.

إن استغلال تلك الموارد والثروات في خير البلاد يستحيل أن يقوم به حكام عملاء، فهم أدوات وضعها المستعمر لرعاية مصالحه وتسليم البلاد وثرواتها لشركاته الناهبة، وهو ما يقوم به النظام الآن. فأزمة مصر في حقيقتها هي في النظام الذي يحكمها ويكبلها بقيود التبعية للغرب ويغرقها في مستنقعات قروضه لعقود وأجيال قادمة، لهذا فإن مصر بحاجة إلى نظام قادر حقا على إدارة ثرواتها وتمكين أهلها من الانتفاع بها على الوجه الحقيقي، وهذا لا يتحقق إلا في ظل نظام الإسلام وما فيه من أحكام تلزم الدولة أن تضع يدها على موارد البلاد وتحسن إنتاج الثروة منها وتعيد توزيعها على الناس، وتمنعها من طلب أو قبول مساعدات وقروض الغرب ومؤسساته الاستعمارية وتمنعها حتى من مجرد التعامل مع تلك المؤسسات، وبالتالي تحمي اقتصاد البلاد من تغول الرأسماليين ونهبهم للثروات، لهذا فعلاج ما تعانيه مصر من أزمات يتطلب أولا اقتلاع هذا النظام من جذوره. وثانيا الانعتاق من التبعية للغرب بكل أشكالها وصورها. وثالثا تطبيق الإسلام كاملا شاملا في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تضمن للناس الراحة والطمأنينة والكرامة ورغد العيش. نسأل الله أن تظلنا بعدلها قريبا اللهم آمين.

بقلم: الأستاذ سعيد فضل

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

جريدة الراية: أستراليا تسعى لحظر الرموز الإسلامية


جريدة الراية: أستراليا تسعى لحظر الرموز الإسلامية

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

في 14 حزيران/يونيو 2023، أعلنت الحكومة الأسترالية، من خلال المدعي العام الفيدرالي، عن مزيد من “الإصلاحات” لقانون مكافحة الإرهاب. ومشروع القانون الجديد يضيف إدراج جرائم جديدة إلى “مواد التطرف العنيف عبر الإنترنت” ومشاركتها، ويوسّع تعريف الجريمة المتعلقة بـ”الدعوة إلى الإرهاب” ليشمل مجرد “التخويف” حتى تجاه دولة أجنبية. والنقطة المحورية لهذا التشريع الجديد؛ أن عرض الرموز النازية ورموز تنظيم الدولة الإسلامية علناً أو التجارة في الأشياء التي تحمل هذه الرموز يعتبر جريمة جنائية.

وقد كانت هناك بعض الإشارات في الأسابيع الأخيرة إلى أن مثل هذا التشريع كان على وشك تقديمه، على الرغم من أن جميع التعليقات ركزت على الرموز النازية، وكانت هناك حالات قليلة في أستراليا حيث كانت مجموعات البيض تستعرض علناً العلم النازي الذي يحتوي على الصليب المعقوف، وقد عُرضت الرموز في بعض الأحيان بالقرب من المعابد، وأظهر حادث مجموعة من الأستراليين يحملون العلم النازي ويهددون بالعنف ضد اليهود في أستراليا. وتقول الحكومة إن التشريع يهدف إلى الحفاظ على “مجتمع أستراليا المتناغم والمتعدد الثقافات والديمقراطي” من خلال حظر “رموز الكراهية والعنف والعنصرية”.

لقد كانت مفاجأة للكثيرين، لا سيما في ظل عدم وجود مؤشرات حديثة، على أن ما أشارت إليه الحكومة باسم (علم الدولة الإسلامية – إشارة إلى العلم الذي يستخدمه تنظيم الدولة) قد تم تضمينه أيضاً على وجه التحديد في الحظر المقترح، والأكثر دلالة هو الإشارة إلى أن ما تم حظره أيضاً هو أي رمز “يشبه إلى حد بعيد علم تنظيم الدولة الإسلامية… أو يمكن الخلط بينه وبين العلم”.

ومعلوم أن العلم الذي يستخدمه تنظيم الدولة يحتوي على رموز عزيزة على المسلمين، حيث يحتوي على كلمة التوحيد في تصوير خاتم النبي ﷺ مرسوم على خلفية سوداء، وهو اللون نفسه الذي استخدمه سيدنا محمد ﷺ. فقد روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ» وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه: «كَانَ مَكْتُوباً عَلَى رَايَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ».

إن ما أشارت إليه الحكومة من خلال تضمين الراية المكتوب عليها كلمة التوحيد، هو أنه يمثل أيضاً كل الأشياء التي يتهمون بها العلم النازي، وهذه تهمة من الواضح أن المسلمين سيستنكرونها بأشد العبارات.

إن الذرائع التي تستخدمها الحكومة هي لتبرير الحظر المعيب، في سياق قيمهم الخاصة، وقد جادل العديد من الخبراء في القانون بأن مجرد وجود آراء سياسية أو دينية مرفوضة ليس سبباً كافياً لتحرك الشرطة أو وكالة المخابرات، وعلى المرء أن يثبت أن عتبة التصرف بناءً على تلك المعتقدات بطريقة عنيفة قد تم تجاوزها. وعلاوة على ذلك، لا يمكن استقراء استخدام رمز في أعمال إرهابية من مجموعة صغيرة ليعني أن هذا هو الاستخدام الوحيد للرمز، خاصة إذا كان هذا الرمز مستخدماً بشكل شائع من الآخرين، والمفارقة بالطبع هي أن العلم الأسترالي أو الرموز الأسترالية الأخرى مثل الصليب الجنوبي قد ارتبط بالتطرف والعنف والعنصرية، ومن المثير للاهتمام أن هناك حكماً في مشروع القانون ينص على أنه إذا تم استخدام الرمز لأغراض دينية، فإن الحظر لا ينطبق عليه، والمثال المذكور في البيان الصحفي للحكومة وفي التشريع هو مثال الصليب المعقوف ذي الأهمية الروحية للأديان مثل الهندوسية والبوذية، ولكن لم يكن هناك ذكر أو دفاع ينطبق على الإسلام والمسلمين، ولذلك ظل من غير الواضح ما إذا كان هذا التبرير مناسباً للمسلمين، حيث النفاق هنا صارخ.

وما يحدث في الواقع هو أن حكومة حزب العمال، التي تقدّم نفسها على أنها “صديقة للمسلمين”، تبدأ من حيث توقفت حكومة المحافظين السابقة؛ أي استمرار سياسات “الحرب على الإرهاب” التي يعلم الجميع أنها حرب على الإسلام والمسلمين، وكانت هناك ضغوط في أجزاء أخرى من مشروع القانون ضد رفع وتبني راية الرسول ﷺ، لأنها تدل على تحد سياسي وعقدي للنظام العالمي الرأسمالي والعلماني الحالي الذي تقوده أمريكا. ونظراً لكون أستراليا تدور في فلك أمريكا فقد اتبعت بشكل أعمى وتبنت أجندة “الحرب على الإرهاب” خلال العشرين عاماً الماضية أو نحو ذلك، وقد عقدت الدول الغربية العزم على احتواء المسلمين في بلادها بحيث يصبحون منفصلين عن بقية الأمة. وتستخدم هذه الدول أحياناً القوة الناعمة من خلال تشجيع الجالية المسلمة على تحديد “إسلام تحت عباءة أستراليا” وتزويدهم بالموارد والمواقف لحثهم على هذا المسعى، وفي بعض الأحيان تستخدم الحكومة القوة الصارمة مثل قوانين “مكافحة الإرهاب” الموسعة والدعاية السلبية المرتبطة بها، وينبغي النظر إلى اقتراح حظر الراية في ضوء ذلك، وهو: سلخ المسلمين في الغرب عن القيم الإسلامية وعن واجب قيادة الإنسانية بعدل الإسلام ورحمته من خلال قيام الكيان الإسلامي السياسي، الخلافة على منهاج النبوة.

بقلم: الأستاذ محمد الأيوبي – أستراليا

جريدة الراية: تغطية لأعمال حملة القسم النسائي لحزب التحرير/ولاية تونس


جريدة الراية: تغطية لأعمال حملة القسم النسائي لحزب التحرير/ولاية تونس

“العلمانيّة تمكر بأبنائنا وخلاصهم بأيدينا”

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

تحت هذا العنوان أطلق القسم النسائي لحزب التحرير/ ولاية تونس حملة سلّط من خلالها الضوء على ما تُواجهه الأجيال النّاشئة والآباء والأمّهات من تحدّيات عقائدية وفكرية وأخلاقية في ظل نظام علماني لا يكتفي فقط بوضع العقبات في طريق تربية النشء بل يتجاوز الأمر إلى انتهاج سبيل هدم الأجيال اليانعة وسيلة للاستعمار ومنع نهضة الأمة، مُستغلا في ذلك سطوته على نظام سياسي ضعيف مُتعثّر باع أمته ودينه، ومُستغلّا مؤسسّاته المتمثّلة في الإعلام والتعليم وأجهزة دولة الحداثة المزعومة تحت رعاية غطاء تشريعيّ منبثق من الاتفاقيات الدولية الخطيرة.

تواصلت فعاليات هذه الحملة على مدى شهر تخلّلتها أعمال ميدانية وفكرية قامت بها شابات الحزب، وكانت أهم محاور العمل على النحو التالي:

المحور الأوّل: التربية العلمانيّة أُسّ الداء وسبب الانهيار الأخلاقي في البلاد.

المحور الثاني: الإسلام علاج للأمّة وقبل كلّ شيء للأجيال النّاشئة.

واختُتمت الحملة بندوة فكرية عُقدت يوم السبت 10 حزيران/يونيو 2023 تحت عنوان “كيف نُخلّص أبناءنا من براثن العلمانيّة؟” في قاعة النّدوات بمكتب حزب التحرير – أريانة، تخللتها كلمات ألقتها ثُلّة من حاملات الدّعوة حول واقع تربية النّشء في تونس والسُّبل الكفيلة بمعالجته. وكانت الكلمات على النحو التالي:

الكلمة الأولى للأستاذة فاتن الشعري بعنوان “منهج العلمانيّة في هدم تربية الأجيال النّاشئة في بلاد المسلمين”، وممّا جاء فيها: أنّ الاستعمار تنبّه منذ البدء أن تواصل إحكام سيطرته علينا سبيله الوحيد هو الإشراف على تربية عقولنا وعقول أبنائنا من بعدنا لأجيال، ولذلك عمد إلى التّدخل في أدقّ تفاصيل حياتنا معتمدا في ذلك على تسميم الأجواء الفكريّة في المجتمع عبر زرع نظام حكمه الذي يفصل الدين عن الحياة مُعتمدا أدواته التي نحصرها في ثلاثة محاور كبرى؛ أوّلا: الأسرة والتشريعات المسيّرة لها. وثانيا: سياسة التعليم. وثالثا: الإعلام والثقافة. والتي يُريد المستعمر من خلال التحكّم فيها نشر سمومه ليُحارب أمة بأكملها وذلك عن طريق محاولة طمس مستقبلها المتمثل في الجيل القادم، ولكن كلنا ثقة في أنّ الأمة لا ترضى أن تكون رهينة الاستعمار وأفكاره الهدامة.

أمّا الكلمة الثانية فكانت للأخت ريم حُرّي بعنوان “مثل المدرسة والأسرة في تربية الأجيال بالإسلام كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وقد جاء فيها: إنّ معالجات الإسلام لا يُمكن تنفيذها في ظل منظومة فاسدة تعمل على إفساد الطفل وسلخه عن دينه لتوجد أجيالا بلا هوية. إنّ ما نحتاجه هو العمل لإيجاد دولة تصنع أجيالا رائدة، هي دولة الخلافة الراشدة. فلو نظرنا في واقعنا اليوم، سنجد أنّ زاوية النظر والثّقافة المسيّرة للدولة العلمانية، التي بدورها تُسيّر شؤوننا، هي ثقافة تتناقض مع عقيدة الإسلام التي تحملها العائلات المسلمة والمربّون في مؤسسات التعليم، فثقافة أيّ أمة هي العمود الفقري لوجودها وبقائها، فعلى هذه الثقافة تُبنى حضارتها وتتحدد أهدافها وغايتها ونمط عيشها وبهذه الثقافة ينصهر أفرادها في بوتقة واحدة.

ثمّ إنّ الإسلام جاء نظام حياة شاملاً يُعالج بنجاعة كل تفاصيل حياتنا، وإنّ المجتمع ليس مجرد جملة من الأفراد تبنى العلاقات بينهم على أساس المساواة والحرّية، بل هو جملة من الأفراد والعلاقات والمشاعر والنُظم التي يجب أن تخضع جميعها لزاوية نظر واحدة وهي أحكام الله ونواهيه، فيكون الآباء والمعلمون والأجيال الناشئة متشبعين بالإسلام وثقافته، ما يبني بينهم علاقات تقوم على الإسلام ويولد عندهم مشاعر تقوم على الإسلام، وفوق هذا كله تسيرهم جميعا نظم الإسلام التي تشرف عليها الدولة، وهذه الدولة لا تكون إلا خلافة على منهاج النبوة كما يريدها الله سبحانه وتعالى.

وأما الكلمة الثالثة فكانت للأخت منى بالحاج بعنوان “كيف تتجلى مسؤولية دولة الخلافة في بناء وتسيير منهاج للتربية يقوم على الإسلام فيحفظ للأمة أبناءها؟” وقد جاء فيها: إنّ منهج العلمانية في التربية يعتمد على المناهج التي تقطع الصلة بين المسلمين والعقيدة الإسلامية؛ وذلك من خلال تعزيز مفاهيم العلمانية والديمقراطية والحرية والتربية الجنسية وغيرها من المفاهيم التي تفرض سيادة الحضارة العدوّة لنا، أي الحضارة الغربية. ولما كان الأمر بهذه الخطورة نجد أن حزب التحرير قد درس الأمر بدقة وروية وجعل ثقافة المسلمين هي العمود الفقري لوجودهم وبقائهم لأن عليها تبنى حضارة الأمة الإسلامية، وأسّس ذلك ضمن برنامجه ومشروعه السياسي النهضوي، مفصلاً ومؤصلاً في مشروع دستور مرفق بأسبابه الموجبة. بل وبيّن كل التفاصيل في كتاب “أسس التعليم المنهجي” التي ستطبق في دولة الخلافة الراشدة قريبا إن شاء الله.

إن دولة الخلافة القادمة قادرة وبجدارة على النهوض بالمنهج التربوي من المستنقع الخطير الذي آل إليه، لتوصله إلى المكانة العليّة التي ينشدها الإسلام العظيم.

أما الكلمة الختامية فكانت للأستاذة حنان الخميري الناطقة الرسمية للقسم النسائي في المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس، وقد أجابت فيها على سؤال: كيف نخلص أبناءنا من براثن العلمانية كالآتي:

في ختام هذه الندوة التي توجت حملتنا فإننا في القسم النسائي لحزب التحرير نقول للمستعمر وأذنابه إنّه لن يهدأ لنا بال حتى ترفعوا أيديكم عن أبنائنا، وسنقاوم حتى آخر رمق لنا اتفاقياتكم المشبوهة التي تستهدفنا والتي دمرت سلفا أسركم وهي المنبثقة عن مبادئكم، فما بالك بتشريعات مخالفة لعقيدتنا؟ كيف سنقبل بها؟!

سنقول لأرباب النظام العلماني:

– أبناؤنا خط أحمر: سيبقى صوتنا مرتفعا ونحن نطالب بتغيير واقعهم وواقع الأسرة بأكملها، ونحن نطالب بحقهم في تعليم سليم ببرامج تتوافق وعقيدتهم ودينهم بلا تغريب ولا أفكار فاسدة مدمرة للأجيال.

لذلك عملنا ونعمل وسنعمل على إقامة النظام الذي يهدف حقا لتحقيق مصلحة المرأة وأسرتها في إطار تشريع لا يجبرها على التخلي عن أبنائها بدعوى المساواة والتمكين الاقتصادي وتحقيق الذات، إقامة دولة مسئولة عن الحفاظ على أبنائنا تعتمد نظام حكم يرسخ العقيدة الإسلامية ويبني شخصيات يعول عليها، نظام حكم يعدل بين الجميع رجالا ونساء فيعيد لكل مكانته في الأسرة والمجتمع، نظام حكم يمتن علاقة الأبناء بأسرهم ويجعل منهم أفرادا صالحين للأمة ويسطر تعليما وإعلاما بما يحقق النهضة والرقي. ولذلك عملنا وسنعمل على إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ونذكركم بقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

بقلم: الأستاذة هاجر بالحاج حسن – ولاية تونس

جريدة الراية: العَلمانِية كفر أكبر مخرج من الملة بالكتاب والسنة والإجماع


جريدة الراية: العَلمانِية كفر أكبر مخرج من الملة بالكتاب والسنة والإجماع
  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن العَلمَانيّة، وقد أعلن أردوغان مراراً وتكراراً أنه عَلمَاني، ويَدعُو لِلعَلْمَانيّةِ، ونصح أهل مصر بها.
هذا وإن مصطلح العَلْمَانِيّة مصطلح سياسي لا زال مدلوله ومعناه يخفى على كثير من المسلمين، خصوصاً أولئك المخدوعين بأردوغان، والمؤيدين له، الذين يظنون أنه مأخوذ من العِلْم، وهو أمر دعا إليه الإسلام، وحث على طلبه في كثير من الأحاديث النبوية
فما هي هذه العَلْمَانِيّة؟ ومن أين أتت؟ وما المعنى الحقيقي لها؟ وما موقف الإسلام منها؟ هذا كله ما سنلقي عليه الضوء في هذه المقالة القصيرة. نقول وبالله التوفيق:
العَالمَانيّة (العَلْمَانِيّة) في العربيّة مُشتقّة من العَالَم. أمّا في الإنجليزية والفرنسية؛ فهي مُشتقّة من اليونانية بمعنى العامّة أو الشّعب، وبشكل أدقّ عكس الإكليروس أو الطّبقة الدّينيّة الحاكمة، وإبان عصر النهضة بات هذا المصطلح يشير إلى القضايا الّتي تهمّ العامّة أو الشّعب بعكس القضايا التي تهمّ الخاصّة.
أما في اللغات السامية، ففي السريانية تعد كلمة عَلمانية عَلما إلى ما هو مُنتمٍ إلى العالم أو الدّنيا، أي دون النظر إلى العالم الروحي أو الماورائي، وكذلك الأمر في اللغة العبرية (عُولَم) والبابليّة وغيرهم؛ وبشكل عام، لا علاقة للمصطلح بالعلوم أو سواها، وإنما يشير إلى الاهتمام بالقضايا الأرضية فحسب، وأول استعمال لكلمة العَلمانية عُثر عليه في كتاب “مصباح العقل” من القرن العاشر الميلادي لمؤلفه ساويرس بن المقفع الذي قال: “أمّا المصريون فرأوا أنْ يكون الأسقف، بالإسكندرية خاصة، بتولاً لم يتزوج في حال عَلْمانيّته”.
وتقدّم دائرة المعارف البريطانية تعريف العالمانيّة بأنها: “حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الأخروية. وهي تعتبر جزءاً من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة؛ الداعية لإعلاء شأن الإنسان، والأمور المرتبطة به، بدلاً من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شئون الحياة، والتأمل في الله واليوم الآخر”.
وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر الدولة العلمانية هي في بلد، أو دولة ذات نظام حكم عَلماني، وهي رسمياً تضمن كونها محايدة تجاه القضايا المتعلقة بالدين، كما أن الدولة العلمانية تعامل جميع رعاياها بشكل متساو بغض النظر عن انتماءاتهم أو تفسيراتهم أو أفكارهم الدينية، وإن كان التساوي ليس مقتصراً على الدولة العلمانية، فقد تكون الدولة غير علمانية ويُذكر في دستورها أن الرعية متساوون فيما يتعلق بعقائدهم.
من الناحية السياسية، العَلمانية هي حركة في اتجاه الفصل بين الدين والحكومة، وغالبا ما كان يطلق عليه الفصل بين تعاليم الكنيسة، أو تعاليم المسجد، أو أي كنيس، أو معبد عن تعاليم الدولة.
ويمكن الرجوع إلى هذا الحد من العلاقات بين الحكومة، ودين الدولة، لتحل محل القوانين استناداً إلى الكتاب (مثل الوصايا العشر، والشريعة) مع القوانين المدنية، والقضاء على التمييز على أساس الدين.
هذا ويقال: إن العَلمَانية تضيف إلى الديمقراطية عن طريق حماية حقوق (الأقليات) الدينية معظم الأديان الرئيسة التي تقبل أسبقية قواعد العلمانية، والمجتمع الديمقراطي، ولكن ربما لا تزال تسعى إلى التأثير في القرارات السياسية، أو تحقيق مزايا محددة، أو النفوذ من خلال اتفاقات بين الكنيسة والدولة.
دَعَمَ كثيرٌ من النصارى وجود الدولة العلمانية، ويمكن أن نعترف بأن الفكرة قد دعمتها تعاليم الكتاب المقدس: “أعط ما لقيصر لقيصر، وما هو لله لله”، وهذا محل شك؛ ذلك لأن أهم القوى الأصولية الدينية في العالم المعاصر هي الأصولية النصرانية، والإسلام الأصولي، وكلها تعارض الأصولية العَلمَانيّة.
بعض الدول علمانية دستوريا مثل: كندا، الهند، فرنسا، أمريكا، تركيا، وكوريا الجنوبية، رغم أن ليس أيا منها متطابقة في أشكال الحكم. وفي الوقت نفسه لا يمكن بالضرورة اعتبار الدولة التي لا تمتلك ديناً رسمياً للدولة دولاً علمانية.
موقف الإسلام من العلمانية
العلمانية كفر أكبر مخرج عن الملة بالكتاب والسنة والإجماع، وإليكم بيان ذلك بالأدلة:
أمَّا الكتاب، فقد فرض الله على الحاكم المسلم أن يحكم الناس بما أنزل الله، وقد خاطب الله تعالى نبيه محمَّداً ﷺ، وخطابه لنبيه هو خطاب لأمته من بعده، ما لم يرد دليل يخصصه بالنبي وحده، فقال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. وجميع هذه الآيات جاءت عامة في جميع من لا يحكمون بما أنزل الله، ولم يرد دليل يخصصها، والقاعدة الشرعية تقول: “يبقى العموم على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص”.
وأما السنة، فقد روى ابن ماجه في سننه، والطبراني في المعجم الأوسط عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: «يا مَعْشَرَ المهاجرينَ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم».
وأما الإجماع، فقد أجمع الصحابة على الخروج على ولي الأمر إن ظهر منه كفر بواح عندهم فيه من الله برهان، وقد قالوا لعمر بن الخطاب الخليفة العادل: “والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا”.
وللإسلام وجهة نظر أخرى حول ارتباط الدولة بالدين:
1. الدولة في الإسلام ضرورة لا بد منها، وذلك لتبليغ الدين بالدعوة والجهاد، ولإنفاذ الأحكام الشرعية، وصيانة الحقوق، ووصول الدين إلى أهدافه وأغراضه في حفظ الدين والنفوس والعقول والأعراض والمال وغيرها.
2. إبعاد الإسلام عن الحكم وتعطيل صلاحياته، ستصبح كثير من أحكامه وتشريعاته حبراً على ورق؛ لأنه لا يمكن للفرد وحده تنفيذ تلك الأحكام، كتنفيذ القصاص، وجباية الزكاة، وتأمين الطرق، ونشر الأمن، وفض الخصومات، والجهاد، وما شابه ذلك، ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فلا تعلوه القوانين الوضعية الغربية.
3. جاء الإسلام لتنظيم علاقة الناس بربهم، وجميع شئون الحياة، والدين عند الله تعالى هو الإسلام، والإسلام كما يدل عليه اسمه هو الاستسلام لله والانقياد له، والخلوص من الشرك.
4. أوامر الله ونواهيه شملت الحياة بأسرها، فليس هناك جانب من جوانب الحياة أو شيء من نظمها إلا ولله تعالى فيه حكم، فحياتنا العقدية، والاجتماعية، والتربوية، والاقتصادية، والسياسية، وضع لنا أصول التعامل فيها، وفصل لنا بعض جوانبها تفصيلاً.
5. القرآن اشتمل على كل نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. قال ابن كثير: قال ابن مسعود: قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء.

بقلم: الأستاذ محمد أحمد النادي – ولاية الأردن

جريدة الراية: روسيا بين سياسة الاحتواء والانعتاق مخاطر هذا الصراع على العالم!! ح1


جريدة الراية: روسيا بين سياسة الاحتواء والانعتاق مخاطر هذا الصراع على العالم!! ح1

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

روسيا هي وريثة الاتحاد السوفيتي البائد؛ أي هي وريثة المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو، أو القطب الثاني العالمي، حيث وقف هذا الحلف منذ تأسس سنة 1955 حتى نهايته سنة 1991، ندّاً للغرب، ولفكره ومبدئه الرأسمالي، ولسياساته الخارجية. وقد كان الاتحاد السوفيتي قبل زواله يتربع على 15% من اليابسة، أي ما يعادل قارة أمريكا الشمالية تقريبا، وتحده 12 دولة، وتحيط به ثلاثة محيطات مع البحار المتصلة بها. وكان عدد سكانه حتى سنة 1991 حوالي 293 مليون نسمة. واحتل المرتبة الأولى في قطاع البترول: ما يعادل 20% من النفط العالمي، واحتل المرتبة الثالثة في إنتاج الفحم، والمرتبة الثانية بعد أمريكا في إنتاج الغاز؛ حيث ينتج 17.5% من الناتج العالمي، ويملك ترسانة من الأسلحة النووية تعد الأكبر عالميا!!

وبالفعل عمل المعسكر الشرقي خلال السنوات الأولى من تأسيسه عام 1917 إلى استقراره سنة 1922؛ أي بعد صراعه لمدة خمس سنوات ضد القيصرية الروسية، والانتصار عليها في حرب دموية خلفت آلاف القتلى. وبعد الاستقرار والارتقاء عالميا كقوة عظمى؛ وخاصة بعد فترة الحرب العالمية الثانية عام 1945، عمل على غزو الكثير من دول أوروبا الشرقية عسكريا، وقام بضمها. ولم يقف عندها، بل كانت له نظرة توسعية نحو أوروبا الغربية وأمريكا؛ أي إلى جميع دول المعسكر الغربي. وبالفعل فقد امتدت الأحزاب الاشتراكية إلى أوروبا وأمريكا، ونجحت في اكتساح أوروبا، وفازت في بعض الدول، ووصلت إلى الحكم خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها من الدول. أما أمريكا فاتخذت سياسة صارمة تجاه الفكر الاشتراكي منعته من العمل داخل أمريكا، ووضعت أحكاما صارمة تصل إلى الإعدام إلى كل منتسب للحزب الاشتراكي. والحقيقة أنه لولا سقم المبدأ الاشتراكي في تصوراته، وأحكامه وطريقته في العيش، لقلب كل دول أوروبا خلال سنوات قليلة، ولكن ما حصل هو أن الشعوب رغم معاناتها من فساد الرأسمالية، وتسلطها على أرزاقها ومقدراتها لصالح طبقة ضيقة، فإنها بدأت تنفر من الفكر الاشتراكي؛ نتيجة التصورات الخيالية غير القابلة للتطبيق. ونتيجة السياسة السقيمة المنافقة التي سلكها حكام الاتحاد السوفيتي تجاه الغرب؛ كتلك التي سارت بها روسيا مع أمريكا فيما يعرف بسياسة الوفاق الدولي وتقسيم النفوذ في العالم إلى قسمين 1961.

لقد تفكك الاتحاد السوفيتي وتخلى غورباتشوف عن الفكر الاشتراكي، وانحل الحزب الشيوعي عام 1991 وسمح للدول المؤلفة لهذا الاتحاد بالاستقلال، وذلك نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي حيث حاول ضمن سياسة البروسترايكا (إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي)، أن ينقذ ما تبقى من وضع اقتصادي، وتخلّى عن الفكر الاشتراكي لصالح حرية السوق، ووقف يلتسين رئيس روسيا مع غورباتشوف في هذه السياسة قبل أن يعلن عن استقالته من رئاسة الاتحاد عام 1991. وانقضت بذلك حقبة دامت حوالي 70 عاما من تطبيق المبدأ الاشتراكي!

إن روسيا قد نزلت عن المرتبة التي كان يتربع عليها الاتحاد السوفيتي؛ من كونه قوة كبرى تشكل الدولة الثانية في الموقف الدولي، وندّا للغرب، ودولة يحسب لها ألف حساب عالميا، ولها تأثيرها في الهيئات والمؤسسات الدولية. فبعد سنة 1991 تغيرت موازين العالم، وبرزت أمريكا كدولة شبه متفردة في السياسة الدولية دون منازع، وصارت تتحكم بالعالم وسياساته لدرجة أنه بلغ من عنجهيتها أن يقول رئيسها جورج بوش أثناء غزوه للعراق وأفغانستان بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر: “من ليس معنا من الدول فهو ضدنا”.

وتغيرت مع هذا التغير نظرة أمريكا لروسيا، فأصبحت تنظر لاحتوائها سياسيا واقتصاديا وعسكريا؛ عبر خطوات وأعمال عديدة منها:

 1- العمل على حصرها وتحجيم تدخلاتها في السياسة خارج أرضها في الدول الضعيفة أو في الدول خارج نطاق منظومتها الروسية، وعدم تمكينها من ذلك؛ خاصة عبر المؤسسات الدولية، أو التحالفات أو غير ذلك من أعمال. وقد برز هذا الأمر مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في قضية العراق وحصاره، ثم اجتياحه واحتلاله.

2- إثارة المشاكل الإقليمية والدولية لروسيا لإشغالها بنفسها، حتى لا تفكر في القضايا الدولية من جانب. وكذلك طلب العون من أمريكا لحل مشاكلها من جانب آخر؛ خاصة النزاعات الإقليمية، كما جرى في حرب أذربيجان، وفي الحرب في صربيا وغيرها من مناطق النفوذ الروسي.

3- إبعادها عن الصين، ووضع العراقيل أمام أي تقارب معها. وهذا الأمر ظهر بشكل بارز في معاداة أمريكا للحلف الاستراتيجي الذي عقد بين الصين وروسيا، وتجدد سنة 2022. فقد حذرت أمريكا الصين على لسان أكثر من مسئول من مخاطر التعاون بين الصين وروسيا عسكريا في الصراع الدائر في أوكرانيا.

4- العمل على تحطيمها اقتصاديا؛ خاصة في موضوع الأسواق الخارجية للطاقة والصناعات. وقد حرصت أمريكا على أن تخفض أسعار الطاقة رغم تأثرها بذلك، من أجل قطع مورد رئيس وكبير للاقتصاد الروسي. والسبب أن روسيا قد انتعشت اقتصاديا أثناء فترة رفع أسعار البترول، واستطاعت أن تقوّي وتدعم مشاريع تطوير السلاح الاستراتيجي. كذلك ساعدها الانتعاش الاقتصادي في قدرتها على التدخلات في المحيط من الدول المجاورة، بإقامة التحالفات والمنظمات الاقتصادية المشتركة.

5- إدخالها في سباق التسلح، رغم توقيع تفاهمات معينة حول السلاح النووي وحول القواعد العسكرية الخارجية. فأمريكا لم توقف برامجها في تطوير السلاح وهذا دفع روسيا لمجاراتها، كما كانت تفعل في العهد السوفيتي إلى حد ما، وبالتالي تحمل نفقات باهظة تستحوذ على قسم كبير من أموالها وثرواتها في وقت هي فيه بأمس الحاجة إليها.

6- العمل على تحجيم قواعدها العسكرية الخارجية، وتفكيك ترسانتها النووية. فقد عملت أمريكا عدة أعمال تجاه الترسانة النووية الروسية منها؛ تجميعها وتحجيمها وتفكيك قسم منها. ووقعت اتفاقات عدة مع روسيا منها؛ معاهدة ستارت1 (الحد من الأسلحة الاستراتيجية) 1991-1994 ونتج عنها إزالة حوالي 80% من الترسانة حتى سنة 2001، ثم وقعت معاهدة ستارت2 سنة 2010.

7- العمل على استمالة بعض الدول في منظومتها القديمة، ووضع قواعد عسكرية فيها. وهذا يعتبر من التدخل الصارخ في عقر دار روسيا، وتحدّيا كبيرا لها. ففي هذا العام 2023 التقى وزير خارجية أمريكا بلينكن بوزراء خارجية كل من كازاخستان وأوزبيكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، وعرض عليهم المساعدة والدعم لتقليل اعتمادهم على روسيا، وقدم 25 مليون دولار لمساعدة هذه الدول في مجالات التطوير، وقامت أمريكا سابقا باستخدام أول قاعدة عسكرية في مطار خان آباد في أوزبيكستان بعد هجمات 11 أيلول 2001، ثم أرسلت طلائع قواتها إلى قرغيزستان مع قوات من حلف الأطلسي، ونشرت كذلك عسكريين في العاصمة الجورجية تبليسي سنة 2004. وما زالت تحاول التدخل عن طريق خديعة محاربة الإرهاب والمساعدات الاقتصادية لهذه الدول.

8- إدخالها في حروب مدمرة وطويلة الأمد، كالحرب الأوكرانية 2022؛ وذلك من أجل الضغط لإخضاعها لسياساتها الخارجية حسب نظرتها الجديدة لصياغة العالم، أي لاحتوائها وجعلها تماما كباقي الدول الأوروبية. وكذلك للضغط عليها من أجل إبعادها عن الصين. ولا يخفى ما تتسبب به الحرب في أوكرانيا على الوضع الداخلي الروسي اقتصاديا وأمنيا.

لقد نجحت أمريكا إلى حد بعيد في هذه السياسات لاحتواء روسيا خلال السنوات السابقة، وقبل مجيء بوتين للحكم في روسيا وأثناء وجوده في الحكم كذلك. فهل ستحقق مزيدا من النجاحات على طريق محاولات احتواء روسيا بشكل كامل ومطبق، أم أن الأمور ستنقلب رأسا على عقب في السنوات القادمة وستواجه أمريكا فشلا في هذه السياسات، وخاصة بسبب إعلان الحرب بشكل صريح على روسيا في أوكرانيا لإجبارها على الركوع؟

يتبع…

بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس

جريدة الراية: متفرقات الراية – العدد 448


جريدة الراية: متفرقات الراية العدد 448

  3 من ذي الحجة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2023مـ

أيها المسلمون: إن الحل الجذري يكمن في العمل معنا لإقامة دولة تطبق الإسلام، فبها تقطع يد الكافر المستعمر وأدواته، فتقوم برعاية الشؤون كما أمر الله، ومنها توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية، وتوفر الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن لكل فرد وتمكنه من إشباع حاجاته الكمالية، وتوفير حاجات المجتمع وغيرها، وفوق هذا تجعل الناس يعيشون لغاية يرضاها الله. إننا لا نقول هذا تحليقا في الخيال بل لقد أعددنا العدة وغذينا الركب بتصور شامل كامل لهذه الدولة القائمة قريا بإذن الله.

===

لماذا حزب التحرير  هو خيارنا؟

عندما يتساءل الناس لماذا حزب التحرير؟ نقول لهم: لأنه لا يرضى غير إقامة الخلافة غاية له ولا يرضى أن يكون جزءاً من المعادلات التي تحتوي العملاء وتصوغها دول الكفر، ولأنه يريد للأمة أن تملك إرادتها فعلا ولا يقنع بالمشاركة في حكومات عميلة فاجرة، ولأنه لا ينسى منهاجه الرباني ولا يخوض مع الخائضين، ولا يجلس على الفرُش النجسة ولا يتزلف للمنافقين، ولا يرضى بأنصاف الحلول وأرباعها، ولا يقبلُ بالدول الذليلة المستَرَقّة، ولا يبحث عن المكاسب والمناصب، بل يثبت على منهاجه في طلب الحق والبراءة من رجس الباطل والوقوف في وجه أعداء الأمة، لينفي عن الإسلام تفريط المفرّطين وميوعتهم وانحلالهم، وغلو الغالين وتنطعهم وشدتهم، ويظهر للأمة عدوها من صديقها، ويدعوها في كل فتنة إلى لزوم طريقها، ولأنه لا يقبل بالتخلي عن حكم الله ليستبدل به المناهج الأرضية، ولا يقبل بحكم لا ينبثق من نور الشريعة، ولا يبتلع الوهم بالعز وهو تحت ظلّة الذل، ولأنه لا يفرق الأمة فلا يرى أنه جماعة المسلمين ومن خرج منها ففي النار، بل هو جمع رجالاً انتظمهم فهمٌ خاص للإسلام يحتم عليهم خدمة الأمة بقيادتها إلى مسارب النجاة في ظل التزام حاد بأحكام الشريعة، لا يحيدون عن المنهاج حتى يلاقوا ربهم. اكتنف ذلك كله عند الحزب وعي على الإسلام ووعي على العالم ومعرفة بتشكلات الموقف الدولي وقراءة واعية لها دون مجاملات ومهادنات. من أجل هذا كله كان خيارُنا حزب التحرير الرائد الذي لا يكذبُ أهله.

فيا أيها الشباب يا أمل الأمة ورجاءها، لا تكونوا كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول! اعلموا علم اليقين أن هدى الله هو الهدى، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ واعلموا علم اليقين أن ما بين أيدينا في هدي ربنا وشريعته الحياة المستقيمة والعيش الكريم، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾.

ولأجل ذلك فلتعملوا مع حزب التحرير لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولتعيدوا سيرة شباب المسلمين السابقين الأولين. فقد كنتم يا معشر الشباب أول حلقة في الإسلام بعد إسلام أبي بكر وخديجة رضي الله عنهما، وكانت أول دار لاجتماع المسلمين لتدارس الإسلام دار الشاب الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، وكان الشاب مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام عندما أرسله النبي ﷺ إلى المدينة ليعلم الناس دينهم، فلقب رضي الله عنه بمصعب الخير الذي أجرى الله الخير على يديه فأسلم أهل المدينة، وكان شباب الأنصار رضي الله عنهم الذين خرجوا لنصرة رسول الله وبيعته عند العقبة الثانية هم أول لبنة في قيام دولة الإسلام، فجمعهم الله مع من سبق من إخوانهم الذين هاجروا إليهم فقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ فبسطوا العدل وعم الخير وسخروا العلم لتعمير الأرض وخدمة الناس، وحملوا الإسلام إلى العالم، فكونوا أمثالهم واعملوا معنا لإقامة دولة الإسلام فهي معقد عزنا ومرضاة ربنا وطريقنا إلى الجهاد وتحرير البلاد والعباد.

===

يا جيش الكنانة وجيوش المسلمين

اجعلوا الشهيد محمد صلاح قدوتكم واحذوا حذوه

أيها المخلصون في جيش الكنانة: إن واجبكم الحقيقي ليس تأمين كيان يهود ولا حماية نظام يحميه ولا الانشغال بالتجارة والزراعة وغير ذلك مما يلهيكم به النظام ويشغلكم عن دوركم الحقيقي ويلقمكم إياه على سبيل الرشوة والسحت، عافاكم الله منه، وإنما واجبكم الحقيقي هو حماية الأمة ومقدساتها، فكيف تنتهك مقدساتها وتغتصب أرضها وفيكم عرق ينبض؟! وكيف تلقون ربكم وأحكامه معطلة ودولته التي ترعاكم وتحمي مقدساتكم غائبة، وأنتم أحفاد الفاتحين العظام؟! فأعيدوا سيرة أجدادكم وانصروا دينكم وأروا الله منكم ما يحب بنصرة العاملين لتطبيق دينه وإقامة دولته.

أيها المخلصون في جيش الكنانة: إن هذا الشاب البطل ومثله كثيرون بينكم يتحرقون غضبا لله وحرماته ومقدساته، ولا يحول بينهم وبين نصرة الإسلام إلا هذا النظام العميل. وإن الطريق الصحيح لتحرير فلسطين يبدأ باقتلاع هذا النظام من جذوره بكل أدواته ورموزه، وتطبيق الإسلام كاملا شاملا في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستعلي راية الجهاد وتحرر البلاد وتعيد سيرة الخلفاء العظام هارون الرشيد والمعتصم، من يلبون النداء ويغضبون لله عز وجل فتكون غضبتهم فتحاً ونصراً.

===

شيخ الأزهر يعترف بكيان يهود ويعفي جيوش المسلمين من واجب تحرير فلسطين!

دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي للإسراع إلى إقرار دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وحماية المسجد الأقصى من الانتهاكات التي يتعرض لها يوما بعد يوم، وقال خلال كلمته أمام مجلس الأمن: “أتحدث عن مقدساتي ومقدساتكم في فلسطين، وما يكابده الشعب الفلسطيني من غطرسة القوة، وقسوة المستبد، وآسى كثيرا لصمت المجتمع الدولي عن حقوق هذا الشعب الأبي”. وعليه أكد بيان صحفي للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر: إن أرض فلسطين هي ملك للأمة بعمومها لا يجوز التنازل عن شبر واحد منها، وإن حمايتها وتحريرها من مغتصبيها واجب على كل الأمة وأوجب ما يكون على البلاد المجاورة وعلى رأسها مصر. وما يقوم به شيخ الأزهر من دعوة مجلس الأمن والمجتمع الدولي هو اعتراف بكيان يهود وتحييد لجيوش الأمة وإعفاء لها من واجب تحرير أرض الإسلام ومقدساته.

وأضاف البيان: إن القائمين على تلك المؤسسات الغربية الاستعمارية هم من أوجدوا كيان يهود ليكون خنجرا مسموما في خاصرة الأمة يمنع وحدتها من جديد، وهم الداعم الأول له، وهم حماته من غضب الأمة مباشرة وعبر الأنظمة العميلة القائمة في بلادنا، وفي مقدمتها النظام المصري الذي يقوم بدوره الخياني على أكمل وجه.

وختم البيان بالقول: إن مصر بشعبها وجيشها يتوقون شوقا لتحرير فلسطين، وإن تحرير أرض فلسطين هو واجب جيوش الأمة عامة وجيش مصر خاصة فهو من أقوى الجيوش والأقرب لفلسطين، ونعلم يقينا أن فيه الكثير من المخلصين وأنهم يتوقون لذلك، ولا يحول بينهم وبين القيام بهذا الواجب إلا النظام، ولهذا فتحرير فلسطين يقتضي اقتلاع هذا النظام من جذوره وإقامة دولة الإسلام التي تجيش الجيوش لتحرير فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين المحتلة.

===

حزب التحـرير في الأرض المباركة فلسطين محاضرة حول قانون (الضمان الاجتماعي)

نشر موقع المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين الخبر التالي: عقد شباب حزب التحرير في قرى شمال غرب القدس اليوم الجمعة محاضرة بعنوان “الضمان الاجتماعي، نهب للبلاد وتدمير للاقتصاد وتهجير للعباد” ألقاها المهندس محمد نضال عايش؛ وتطرق خلالها إلى المكائد التي تحاك للمسلمين والقوانين التي تسرب إليهم عن طريق عملاء الغرب الكافر المستعمر، من حكام وسياسيين ومنها قانون (الضمان الاجتماعي). وبين المهندس عايش الخطر الشديد من وراء هذا القانون والمصائب التي ستحل بأهل الأرض المباركة فلسطين جراء تطبيقه. كما وأجاب عايش عن عدد كبير من الأسئلة التي طرحها الحضور عن التداعيات الاقتصادية في حال تطبيق القانون، وعن عدم وجود ضامن حقيقي لهذا الصندوق والأهداف التي يستميت بعض المتنفذين في إقرار هذا القانون من أجلها، وغيرها من الأسئلة المتنوعة. وختم المهندس عايش محاضرته بدعوة الناس الى إنكار المنكر والدفاع عن أموالهم والدعاء بالفرج القريب للمسلمين في جميع بقاع الأرض.

===

تواصل المظاهرات الرافضة لممارسات  هيئة تحرير الشام

وفقا لنشرة أخبار السبت 17/6/2023م من إذاعة حزب التحرير في ولاية سوريا تواصلت الجمعة ولليوم الأربعين على التوالي المظاهرات الشعبية الغاضبة ضد ممارسات مخابرات هيئة تحرير الشام في مناطق ريفي حلب وإدلب، وذلك عقب تغول مخابرات الهيئة ضد كل من يرفع صوته ويصدع بالحق ضد ممارساتها. فقد خرجت مظاهرات بعد صلاة الجمعة في مخيمات أطمة الغربية والفوعة بريف إدلب، ومدن وبلدات الباب واعزاز وصوران وكفرة والسحارة بريف حلب، كما خرجت مظاهرات مسائية في مدن وبلدات أطمة، كللي، ترمانين، وتل الكرامة، ومخيمات كفروما ومخيمات اللطامنة، ومخيمات دير حسان، مخيمات أطمة الغربية، ومخيمات تجمع الكرامة، بريف إدلب، ومدن بلدات الأتارب، السحارة، بابكة، وعفرين، الباب، بريف حلب. وندد المتظاهرون بأفعال مخابرات الهيئة، وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين.

===

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: جواب سؤال: أحداث كوسوفو وتداعياتها على أوروبا


جريدة الراية: جواب سؤال: أحداث كوسوفو وتداعياتها على أوروبا

  25 من ذي القعدة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 14 حزيران/يونيو 2023مـ

السؤال: اندلعت مظاهرات عنيفة شمالي إقليم كوسوفو قام بها صرب الإقليم ضد الشرطة وضد قوات الناتو في الإقليم وقامت صربيا بوضع قواتها على أهبة الاستعداد لاحتمال دخول الإقليم دفاعاً عن الأقلية الصربية. وحذر تقرير نشره موقع “ناشونال إنترست” (National Interest) ونقلته عنه الجزيرة من أن الحرب الأوروبية المقبلة قد تبدأ في كوسوفو. وذكر التقرير (أن هناك أوجه تشابه ملحوظة بين الوضع في كوسوفو والصراع الحالي في أوكرانيا، داعيا صانعي السياسة الغربيين إلى الانتباه لهذا الأمر. وقال إن الأزمة الأخيرة في شمال كوسوفو ذكّرت العالم بأن “الحرب الوحشية في أوكرانيا ربما تكون أكبر تهديد للاستقرار الأوروبي حاليا، لكنها ليست الوحيدة بأي حال من الأحوال”… المصدر: الجزيرة + ناشونال إنترست 2023/6/10)

 فماذا وراء هذه الأحداث؟ وهل هي خطرة كما يسمع من تصريحات مسؤولين دوليين بأنها قد تفجر منطقة البلقان وتشغل الدول الأوروبية بحرب ثانية تضاف للحرب في أوكرانيا؟

الجواب: لتوضيح أبعاد التوترات الحاصلة اليوم في منطقة شمال كوسوفو نستعرض الأمور التالية:

أولاً: الخلفية التاريخية:

1- بعد الفتوحات الإسلامية العثمانية لمنطقة البلقان خلال القرن الخامس عشر الميلادي أخذ الإسلام يشق طريقه في منطقة كانت الدولة الرومانية قد جعلتها منطقة نصرانية خالصة.. فأسلم الألبان، وهم أهل ألبانيا اليوم وإقليم كوسوفو.. وأسلم البوسنيون بعد ذلك وهم أهل البوسنة والهرسك الذي استقل عن يوغوسلافيا سنة 1992 واندلعت بعد ذلك حرب إبادة قتل فيها الآلاف من المسلمين…

2- ظلت كوسوفو جزءاً من الدولة العثمانية حتى خرجت منها سنة 1912 في إطار النزعات القومية الانفصالية التي أثارتها بريطانيا في عموم منطقة البلقان. ثم تكالبت على حكم كوسوفو الكثير من الممالك مثل صربيا والجبل الأسود والاستعمار الإيطالي الذي ضمها لنفوذه ضمن مملكة ألبانيا التي كان يستعمرها، ثم سنة 1946 ضمها رئيس يوغوسولافيا تيتو لبلاده في إطار تسويات ما بعد الحرب العالمية الثانية وأعطاها حكماً ذاتياً، وظلت داخل يوغوسلافيا حتى تفككت الأخيرة مطلع التسعينات لتجد كوسوفو نفسها مع صربيا، أي مع آخر ما تبقى من يوغوسلافيا، وحتى لا تستقل فقد حكمها رئيس صربيا سيئ الصيت سلوبودان ميلوسيفتش بالحديد والنار وألغى وضع الحكم الذاتي لها، واندلعت فيها اضطرابات كثيرة بعد الاستفتاء على استقلالها سنة 1990 واستمرت الاضطرابات وأعمال العنف والقتل فيها حتى سنة 1999… ونتيجة ظروف دولية فقد تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأخذ يقصف صربيا حتى أجبرها على الخروج من إقليم كوسوفو، ومنذ ذلك التاريخ فإن قوات الناتو في كوسوفو هي القوة العسكرية الضامنة للسلام في المنطقة.

3- وفي عام 2008 أعلنت كوسوفو استقلالها رسمياً عن صربيا واعترفت بها الكثير من دول العالم وعلى رأسها أمريكا ومعظم الدول الأوروبية، وعارضت الاستقلال بشدة روسيا وصربيا، ومنعت معارضة روسيا وكذلك الصين كوسوفو من الانضمام للكثير من المنظمات الدولية. ثم أخيرا في 2023/3/19 وفي إطار إغراءات الانضمام للاتحاد الأوروبي ومناكفة روسيا بعد حربها على أوكرانيا فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن اتفاق صربيا وكوسوفو لتطبيع العلاقات بينهما دون أن يعني ذلك اعتراف صربيا باستقلال كوسوفو، وكان هذا الاتفاق يعني فتح الباب أمام كل من صربيا وكوسوفو للانضمام للاتحاد الأوروبي.

ثانياً: ما سبق الأحداث الحالية من ظروف محلية ودولية:

1- تعتبر صربيا آخر بؤرة نفوذ لروسيا في أوروبا الشرقية، فقد دعمتها طوال سنوات صراعها مع الناتو، بل إن تدخل الناتو سنة 1999 لسلخ كوسوفو عن صربيا كان بمثابة ضربة شديدة لآخر نفوذ لروسيا في البلقان فقد أظهر ضعفها وعجزها عن مؤازرة أتباعها، ولكن روسيا ظلت تظهر الدعم القوي لصربيا وتمدها بالسلاح والدعم السياسي في المنظمات الدولية وتعلن بشدة معارضتها لاستقلال كوسوفو، وتعلن عن إقامة المشاريع الاقتصادية لدعم الصرب في البوسنة والهرسك، وقامت بتوطيد العلاقة بين كنيستي البلدين وأقامت مركزاً إعلامياً كبيراً لوكالة سبوتنيك في بلغراد وأصبح مركزاً لتأجيج التوتر وإظهار الدعم الروسي للصرب، ويحرص زعماء الصرب على التقاط الصور مع الرئيس الروسي بوتين لنيل الشعبية في صربيا قبيل الانتخابات في صربيا. وبالمجمل فإن لروسيا نفوذاً كبيراً داخل صربيا ولدى الصرب في كوسوفو والبوسنة والهرسك.

2- بعد أن أشعلت روسيا الحرب في أوكرانيا ورأت تكالب القوى الغربية ضدها فإن الغرب قد زاد في مغازلته لصربيا، ومن ذلك رعاية الاتفاق بينها وبين كوسوفو لتطبيع العلاقات (آذار 2023) وفتح الطريق أمام انضمام صربيا للاتحاد الأوروبي، وربما الناتو مستقبلاً، وهذا مثله مثل ضم السويد وفنلندا للناتو من باب زيادة الخسائر الدولية لروسيا بسبب حربها في أوكرانيا، فظهر تقارب كبير بين صربيا والغرب، وفي حزيران 2022 منعت الدول الأوروبية وزير خارجية روسيا لافروف من عبور أجوائها لزيارة صربيا.. وكان هذا مثيراً لصربيا فقال وزير الداخلية الصربي (إن صربيا هي الوحيدة في أوروبا التي لم تفرض عقوبات على روسيا، ولم تنضم إلى هستيريا معاداة روسيا. اليوم السابع، 2022/8/22)، وتفوح من هذا التصريح رائحة الثقل الذي تشعر به صربيا بسبب علاقاتها مع روسيا خاصة وأن آفاق الدول الغربية قد صارت تفتح لها، بل إن وضع صربيا على سكة الغرب ربما يكون قد حقق نتائج أبعد من ذلك، حيث نشرت سكاي نيوز عربية في 2023/3/4: (طالبت روسيا، يوم الخميس، بتفسير رسمي من حليفتها صربيا بشأن تقارير أفادت بأن الدولة الواقعة في منطقة البلقان سلمت آلاف الصواريخ إلى أوكرانيا. وعبرت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن “بالغ القلق” إزاء التقارير التي ورد ذكرها لأول مرة في وسائل الإعلام الروسية الموالية للحكومة الشهر الماضي). وعلى الرغم من نفي صربيا لتدخلها في الصراع في أوكرانيا إلا أن هذه المواقف تبرز أن صربيا قد أخذت تشق طريقها بعيداً عن روسيا حتى وإن كان الطريق ما زال به ثغرات بل عوائق.

3- وأمام هذا الواقع الجديد للعلاقات بين روسيا وصربيا بعد الحرب في أوكرانيا فإن روسيا التي تملك نفوذاً واسعاً داخل صربيا قد أخذت تستخدم أدوات نفوذها محلياً لدى الصرب لإثارة التوتر ومحاولة وقف عملية سلخ صربيا عن نفوذها الدولي.. فقد (اتهمت رئيسة كوسوفو روسيا بأن لها “مصلحة تدميرية” بالمنطقة تشمل مهاجمة كوسوفو والبوسنة والجبل الأسود. إندبندنت عربية، 2022/12/22)، ووفق المصدر نفسه فقد (كتبت صحيفة “واشنطن بوست” أن الحرب الروسية على أوكرانيا أثارت توترات أوسع في المنطقة، ونقلت عن محللين أن الخطاب القومي لروسيا وجد قبولا لدى بعض القادة؛ بينهم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، وهو قومي متشدد كان حليفا للرئيس السابق سلوبودان ميلوسيفتش. كما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”(Wall Street Journal) حينها أن الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي سارعا إلى تهدئة التوتر بين كوسوفو وصربيا بعد التصعيد الأخير، وسط مخاوف من أن تقدم روسيا على توظيف النزاع بين البلدين لزعزعة استقرار أوروبا).

4- كانت إيفانا سترادنر من “معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة” قد حذرت قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا من أن روسيا عازمة على خلق الفوضى في البلقان، وقالت في مقال بعنوان “روسيا تلعب بالنار في البلقان” نشرته مجلة “فورين أفيرز” ونقلته إندبندنت عربية في 2023/4/20 (لا أستبعد أن تتحول منطقة البلقان إلى مسرح جديد تتحدّى فيه روسيا الاتحاد الأوروبي والناتو، وذلك لكي تبرهن أنهما ماردان من ورق… إندبندنت عربية، 2022/2/20). وعليه فإن الراجح هو أن روسيا هي من يثير النزاع في كوسوفو من أجل إبعاد الأنظار عن ضعفها الذي أظهرته الحرب في أوكرانيا، ومن أجل إشغال الدول الأوروبية المعادية لها بحرب أخرى في أوروبا، وكذلك من أجل وقف مسيرة إبعاد صربيا عن نفوذها.

ثالثاً: واقع الأحداث الأخيرة:

1- إن الصرب داخل كوسوفو لا يزيد عددهم عن 120 ألفاً من أصل قرابة المليوني نسمة هم سكان الإقليم، وثلث الصرب يتركزون في أربع بلدات حدودية مع صربيا وهي بؤرة الصراع الأخير، وفي هذه البلدات الأربع (50 ألف نسمة) التي يشكل الصرب 90% من سكانها فإن سلطة الدولة التابعة لبريشتينا عاصمة كوسوفو قد انتابها مزيد من الضعف، فلا تستطيع الشرطة التعامل مع الجريمة واعتقال المجرمين لأسباب عرقية واتهامها باستهداف الصرب، وأخذ الصرب في هذه البلدات يثيرون الشغب على أساس عرقي ويطالبون بالانضمام لصربيا، وهذا يفرض تبعات على الجانب الآخر من الحدود أمام شعبها بالدفاع عن الصرب في كوسوفو.

2- ومن أجل فرض سيطرتها على تلك البلدات فقد أصدرت حكومة كوسوفو في آب 2022 قوانين لفرض حمل هويتها ولوحات السيارات شمالي كوسوفو فأدى ذلك لاستقالات جماعية لرؤساء البلديات وللشرطة من أصل صربي في تشرين الثاني 2022 وعمت شمالي البلاد احتجاجات، ثم أقامت حكومة كوسوفو فيها انتخابات محلية في نيسان 2023 رفض الصرب المشاركة فيها وأعلن عن فوز المرشحين المسلمين فيها، فثار الصرب في هذه البلدات لأنهم لا يريدون أن يكون رؤساء بلدياتهم من المسلمين الألبان (الكوسوفيين)، وعمت أعمال الشغب من إغلاق للطرق حتى وجدت حكومة كوسوفو نفسها مجبرةً على فرض الأمن، فقامت الشرطة بتوفير الأمن لعملية تنصيب رؤساء البلديات الجدد، وهب الصرب يريدون احتلال المباني فوجدوا شرطة كوسوفو لهم بالمرصاد تمنعهم من احتلال المباني البلدية، وكان رئيس صربيا قبل ذلك بقليل قد وضع جيش بلاده على أهبة الاستعداد في إشارة لاحتمال التدخل العسكري.

3- أما روسيا فكانت تصب الزيت على النار وتظهر دعماً كبيراً للصرب فقالت المتحدثة باسم وزارة خارجيتها قبل اندلاع مظاهرات 2023/5/29 (إن روسيا تدين بشكل حاسم خطوات كوسوفو الاستفزازية التي جعلت الوضع على شفا “مرحلة ساخنة”، مضيفة أن مسؤولية الاستفزاز ضد صربيا تقع على عاتق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. اليوم السابع، 2023/5/28). وبعد المظاهرات (قال سيرجي لافروف إن التوترات المتصاعدة في كوسوفو قد تؤدي إلى “انفجار هائل” في قلب أوروبا. وقال وزير الخارجية الروسي للصحفيين يوم الاثنين إن الوضع “ينذر بالخطر” وحذر من اندلاع بركان كبير في البلقان. صوت الخليج، 2023/5/30). وكذلك (أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن “الصرب يقاتلون من أجل حقوقهم في شمال كوسوفو”، موضحاً أن الجيش في حال تأهب و”القرار سيتخذه الرئيس الصربي”. إندبندنت عربية، 2023/5/30).

4- وأما أمريكا فإن موقفها لا يكاد يختلف عن الموقف الأوروبي فقد صدر بيان مشترك وقعت عليه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا باتخاذ إجراءات فورية لوقف التصعيد شمالي الإقليم. (موقع الحكومة البريطانية على الإنترنت، 2023/5/26). وكانت بريطانيا قد حرصت وفي إطار الناتو على أن تكون لها قيادة القطاع المركزي الأكبر في منطقة العاصمة “بريشتينا” بعد تدخل الناتو سنة 1999، وهي أول دولة في الناتو تقوم بتعيين سفير لها في بريشتينا بعد إعلان الاستقلال (موقع راديو سوا، 2008/2/21). ثم عينت أمريكا سفيرا لها بعد ذلك بخمسة شهور (اليوم السابع، 2008/7/19). واعتبر بلينكن أن قرار سلطات بريشتينا استخدام القوة لضمان وصول رؤساء البلديات في شمال الإقليم إلى المقرات الإدارية (“أدى إلى تصعيد حاد وغير مبرر للتوتر”… آر تي، 2023/5/31)، وكذلك (حض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قادة صربيا وكوسوفو على خفض التوتر، محذرا من أنهم يهددون الآمال في الانضمام إلى أوروبا. وقال بلينكن – للصحفيين خلال محادثات حلف شمال الأطلسي في أوسلو أمس الخميس – “ندعو حكومتي كوسوفو وصربيا إلى اتخاذ إجراءات فورية لخفض تصعيد التوتر”… الجزيرة نت، 2023/6/2).

5- وبسبب هذه المواقف الغربية فإن الراجح أن الأوضاع تسير باتجاه التبريد، فبعد المواقف المتصلبة التي أبداها رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي أخذ يظهر ليونة، (وقال رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي إنه يسعى للدفاع عن كل صرب كوسوفو، مؤكدا أن من حقهم إيصال صوتهم بالطرق السلمية، وأضاف أن السلطة في كوسوفو يمكن الحصول عليها بالانتخابات وليس بالعنف. واقترح كورتي إجراء انتخابات جديدة لرؤساء البلديات في محاولة لوقف تفشي العنف الذي وقع مؤخرا شمالي البلاد. الجزيرة نت، 2023/6/2)، وفي الوقت ذاته ضغط الرئيس الفرنسي ماكرون ومستشار ألمانيا شولتز على رئيسة كوسوفو أثناء انعقاد قمة في مالدوفيا لعقد اجتماع مع رئيس صربيا لتخفيف التوتر.

6- وبكل هذا يتضح بأن روسيا فضلاً عن استخدام نفوذها في صربيا فإنها قادرة فعلاً على إثارة التوتر في إقليم كوسوفو ولها أدواتها الكثيرة في صربيا ولدى صرب الإقليم، وهي تريد أن توجد بؤرة للتوتر تخفي ضعفها الظاهر في حرب أوكرانيا وتريد وقف سلخ صربيا عن نفوذها، وتصريحات مسؤوليها عبر إظهار الدعم الشديد للصرب،كانت تصب الزيت على النار لتأجيج الحرب في كوسوفو، ولكن الدول الأوروبية ومعها أمريكا كانت تعمل على إطفاء الحريق فور اندلاعه، فكانت أمريكا ومعها دول الاتحاد الأوروبي شديدة الحرص على سرعة إخماد الحريق.

رابعاً: والخلاصة هي أن روسيا ليست بعيدة عن التوترات في كوسوفو التي أحدثها صرب كوسوفو وبالتالي تحريك صربيا، وكانت روسيا تأمل من هذه التوترات أن ينشغل الغرب فيها على اعتبار أن الناتو موجود في كوسوفو، ومن ثم تشتعل هذه الحرائق بين الصرب وكوسوفو، وبالتالي يكون الغرب والناتو في وسطها، وكانت روسيا تتوقع من ذلك تخفيف استمرار أمريكا والأطلسي في تصعيد حرائق الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. ويبدو أن أمريكا والغرب أدركوا هذه المسألة فبذلوا الوسع في تهدئة الأمور بين الصرب وكوسوفو، ولوحت لهما بإمكانية ضمهما إلى الاتحاد الأوروبي وبعد ذلك إلى الناتو على أن يتعاونا في إخماد هذه التوترات، وكأن أمريكا والغرب قد نجحوا في ذلك كما بيناه من تصريحات المسؤولين وخاصة من أمريكا وكوسوفو.

هذا ما نرجحه حول خلفيات هذه الأحداث ومجرياتها ونتائجها كما بيناه أعلاه.

وأخيراً فإن كوسوفو كما ذكرنا كانت ضمن الدولة العثمانية فأسلم أهلها منذ زمن، ولولا أن المسلمين يفتقدون دولة الخلافة التي تحميهم من شرور الكفار المستعمرين لما كان واقع مجريات الأمور بيد تلك الدول الكافرة المستعمرة التي تتحكم في البلاد بعد أن كانت راية الإسلام تخفق فوق البلقان وكوسوفو…

وإننا نسأل الله سبحانه أن يفرج الكروب عن أمة الإسلام وأن تعود لمبعث عزها بإقامة الخلافة من جديد ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

في الثاني والعشرين من ذي القعدة 1444هـ

2023/6/11م

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: جواب سؤال: أسباب اشتباكات أفغانستان وإيران


جريدة الراية: جواب سؤال: أسباب اشتباكات أفغانستان وإيران

  25 من ذي القعدة 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 14 حزيران/يونيو 2023مـ

السؤال: تصاعد التوتر مجددا بين أفغانستان وإيران بسبب نزاع طويل الأمد حيال توزيع مياه سد هلمند الذي يعد مصدرا رئيسيا للمياه في كلا البلدين. وقد نشرت صحيفة دويتشه فيله DW على موقعها في 2023/6/3: (وقع تبادل كثيف لإطلاق النار بين إيران وطالبان الأسبوع الماضي قرب الحدود المشتركة ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الجنود في موجة جديدة من تصاعد التوتر بين الطرفين وسط تبادل الاتهامات بالمسؤولية حول بدء إطلاق النار. وجاء إطلاق النار وسط تزايد حدة الخلافات بين كابول وطهران حيال نهر هلمند أو “هيرمَند” كما يُلقب في أفغانستان، الذي يعد مصدرا رئيسيا للمياه في كلا البلدين…) وكانت الجزيرة قد نشرت على موقعها في 2023/6/1 نقلاً عن صحيفة إزفيستيا الروسية (العلاقات بين إيران وحكومة طالبان شهدت توترات مختلفة بسبب دعم طهران خلال الحرب الأهلية في أفغانستان للتحالف الشمالي المعارض لحركة طالبان، فضلا عن الخلافات الدينية والسياسية بين البلدين، دون أن ننسى الصراع على الموارد المائية لنهر هلمند الذي يصب في بحيرة هامون بالأراضي الإيرانية. وحسب الاتفاقيات المبرمة عام 1973، يتعين على أفغانستان تزويد إيران سنويا بـ850 مليون متر مكعب من المياه من هذا النهر، المسألة التي باتت معقدة بعد وصول طالبان إلى السلطة…) فما أسباب المشاكل وحصول الاشتباكات بين الطرفين؟ وإلى أين تصل الأمور؟ وهل هناك قوى كبرى تسعّر هذا الخلاف أو تستفيد منه وتوظفه لتحقيق مشاريعها الاستعمارية؟

الجواب:

للوقوف على هذه الأسباب وإلى أين تصل الأمور، نستعرض الأمور التالية:

1- ذكرت وكالة أنباء فارس يوم 2023/5/27 أن (“اشتباكات مسلحة قد اندلعت بين حرس الحدود الإيراني وقوات حكومة طالبان على الشريط الحدودي بين البلدين بالقرب من مخفر ساسولي” ونقلت عن مصدر مطلع أن “توترا حصل بين قوات حرس الحدود الإيرانية ومسلحي طالبان وتطور إلى تبادل لإطلاق النار” وفي أول بيان رسمي قال نائب القائد العام لقوى الأمن الداخلي في إيران قاسم رضائي “إن طهران لن تسمح بحدوث أي حادث مؤسف على الحدود مع أفغانستان. لقد حدثت عدة أخطاء من جانب حركة طالبان على الحدود المشتركة بين إيران وأفغانستان.. نقول لدول الجوار إن حدودنا حدود صداقة ويجب ألا نسمح بوقوع حادث مؤسف. إن قوات طالبان أطلقت النار صباح اليوم نحو الجانب الإيراني وإن حرس الحدود رد عليها وإن الاشتباكات توقفت لفترة لكنها اندلعت من جديد في وقت لاحق ولا تزال متواصلة” ولفت إلى أن القائد العام لقوى الأمن الداخلي أحمد رضا رادان “أمر حرس الحدود بالرد بحزم على أي انتهاك أو عدوان حدودي”). وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إرنا (أن الاشتباك الذي وقع اليوم 2023/5/27 بين قوات حرس الحدود وعناصر طالبان أدى إلى مقتل اثنين من القوات التابعة لحركة طالبان كما أدى إلى مقتل اثنين من القوات الإيرانية وإصابة مواطنين آخرين”).

2- قال متحدث وزارة الداخلية الأفغانية عبد النافع تاكور على حسابه في موقع تويتر “إن شخصين قتلا في اشتباكات اليوم في ولاية نمروز الحدودية أحدهما من إيران والآخر من أفغانستان وأصيب آخرون وإن الإمارة الإسلامية لا تدعم الاشتباكات مع جيرانها” (قناة طلوع نيوز المحلية 2023/5/27) وأكدت الشرطة الأفغانية يوم 2023/5/29 أن معبر “جسر الحرير” الحدودي بين أفغانستان وإيران قد أعيد فتحه بعد إغلاقه يوم 2023/5/28 بسبب الاشتباكات المسلحة التي استمرت بضع ساعات بين الطرفين… وكل هذا يدل على أن الوضع على الحدود بين البلدين هش أمنيا، وفي أية لحظة يمكن أن يشتعل مرة أخرى. وإذا علمنا أنه خلال سنتين منذ وصول طالبان إلى الحكم حتى اليوم قد اندلعت أكثر من 10 اشتباكات بين الطرفين، فإن ذلك يؤكد أن هناك حالة توتر شبه دائمة بين الطرفين.

3- اشتدت الخلافات في الأيام الأخيرة بين أفغانستان وإيران حول تقاسم حصص المياه من نهر هلمند أو هيرمند كما يسمى في إيران. والخلافات قديمة بين البلدين حول هذا الموضوع فقد عقدت اتفاقية بين البلدين عام 1973 تقضي بموجبها على أفغانستان أن تمنح إيران 820 مليون متر مكعب سنويا من النهر ولكن إيران تقول إنها لم تحصل إلا على مليوني متر مكعب. إذ يظهر أن من أهم المشاكل بين البلدين هي مشكلة المياه. حيث بدأت المشكلة منذ قرن ونصف عند تقسيم الإنجليز للبلاد. فقال مساعد وزير خارجية إيران سيد موسوي عبر حسابه تويتر يوم 2023/5/28: “يجب أن نكون يقظين، إن ما حدث اليوم على حدود (زابل – نمروز) هو استمرار لمؤامرة المستعمرين.. إذا كان جولد سميث قد أوصل سيستان آباد إلى حالته الحالية عام 1872 بتآمره، فإن ورثته اليوم يريدون تدمير إيران وأفغانستان.. يجب أن يدرك شعبا ونخب البلدين أن أي نوع من الصراع يعد خسارة استراتيجية لكليهما”.

4- فالقصة بدأت عندما اتفق البلدان على اللجوء إلى لجنة تحكيم إنجليزية بقيادة الجنرال جولد سميث التي بدأت بترسيم الحدود بين البلدين عام 1871 وأتمت ذلك خلال عام. والحدود المشتركة بين البلدين طويلة وتبدأ من مضيق ذو الفقار حيث المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وتركمانستان في الشمال وتمتد حتى جبل ملك سياه حيث المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وباكستان في الجنوب بمسافة 945 كلم. وعندئذ برز الخلاف على تقاسم مياه هلمند بعدما قسم الإنجليز منطقة سيستان وبلوشستان أثناء ترسيم الحدود وليوجدوا بؤرة خلاف مزمنة بين البلاد الإسلامية أفغانستان وإيران وباكستان كما فعلوا في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية التي احتلوها واستعمروها ومن ثم قاموا بتقسيمها، وليشعلوا تمردا في المنطقة المقسمة حيث توجد هناك حركة لاستقلال هذه المنطقة عن تلك الدول الثلاث، حتى يكون هناك منفذ لهم أي للإنجليز للتدخل في هذه البلاد وهي تتنازع الحدود بينها ويقتل أهلها بعضهم بعضا. وبالتالي يحافظ الإنجليز على نفوذهم في تلك البلاد ويعملون على إضعافها حتى لا تخرج من قبضتهم أو يعيدوا نفوذهم فيها إذا فقدوه.

5- استمر الخلاف بين البلدين على الحدود وخاصة بعد تحويل مسار نهر هلمند عام 1896 الذي يقدر طوله بنحو 1150 كلم ويعبر محافظات أفغانية عدة، وكذلك محافظة سيستان وبلوشستان التي قسمها الإنجليز بين أفغانستان وإيران وباكستان! ويصب في بحيرة هامون المشتركة مع إيران. وأعيد ترسيم الحدود بين البلدين على يد العقيد الإنجليزي هنري مكماهون وقسم مياه النهر بين الطرفين عام 1905، واشترط على أفغانستان عدم بناء سدود من شأنها أن تلحق ضررا بإمدادات المياه لإيران وحكم للأخيرة بأن تأخذ ثلث مياه النهر. ولكن الطرف الأفغاني على عهد أمير أفغانستان حبيب الله خان لم يقبل بذلك واعتبره تحيزا لحساب إيران. وبقيت الخلافات مستمرة وعينت عدة لجان تحكيم وتوقيع اتفاقيات ومن ثم نقضها على مدى عشرات السنين. فقد تفاقم النزاع بين الطرفين عام 1934. وقرر الطرفان عدم اللجوء إلى المادة العاشرة من معاهدة 1921 المبرمة بينهما والتي تنص على “تحكيم بريطانيا في الخلافات الحدودية”. ولجأ الطرفان إلى لجنة تحكيم تركية ففشلت اللجنة.. ومن ثم بدأت مفاوضات بين الطرفين عامي 1936 و1939 وعندما طالب الإيرانيون بنصف المياه التي تصب في سد “كمال خان” رفض الأفغان ففشلت المباحثات. ومثل ذلك فشلت مباحثات 1951 وكذلك عام 1958 إلى أن جاء عام 1973 حيث وقعت اتفاقية بينهما تمنح الإيرانيين أقل من 10% من المياه. ولكن البرلمان الأفغاني لم يصادق عليها. ومن ثم قام الشيوعيون بانقلاب في أفغانستان عام 1978 وقد رفضوا الاتفاقية برمتها، وعقب ذلك جاء العدوان السوفياتي بقيادة روسيا على أفغانستان عام 1979 واحتلالهم للبلاد فبقي الوضع على ما هو بين البلدين.

6- واستمر ذلك بعد هزيمة الروس وحلفائهم وانسحابهم المذل من أفغانستان وتشكيل حكومة من المجاهدين حتى وصول طالبان الأول إلى الحكم بين عامي 1996 و2001 ومن ثم جاء العدوان الأمريكي واحتلالهم لأفغانستان، ففي هذه الفترة وخاصة عندما وصل أشرف غني للحكم عام 2014 عزم على بناء السدود في غرب البلاد وشرقها على كافة الأنهار وعددها عشرة أنهار، والتي تنبع من أفغانستان وتصب في دول الجوار ولا تستفيد منها أفغانستان، فأقام عليها نحو 49 سدا. وقد اكتمل بناء سد كمال خان بولاية نيمروز بالقرب من الحدود الإيرانية الذي استغرق بناؤه 4 سنوات وجرى افتتاحه في آذار/مارس 2021 وقد أثر على حصة إيران من المياه بشكل كبير. وأشار أشرف غني إلى أنه لا ينوي تمرير المياه إلا بمقابل النفط. ومع وصول حركة طالبان إلى الحكم للمرة الثانية يوم 2021/8/15 طلبت إيران من الحكومة الجديدة الرجوع إلى اتفاقية عام 1973. علما أن إيران نفسها تتشارك مع الدول المجاورة في موضوع المياه، ما يؤدي إلى ظهور المشكلات إذا بقيت التقسيمات الاستعمارية قائمة.

7- حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حكام أفغانستان أثناء زيارته إلى مدينة جابهار في محافظة سيستان وبلوشستان يوم 2023/5/18 قائلا (“إن حق المياه من نهر هيرمند “هلمند” هو حق لأبناء منطقة سيستان وبلوشستان وهو ما نصت عليه المعاهدات والاتفاقيات” وقال مهددا حكام أفغانستان “يجب أن لا يعتبر حكام أفغانستان أن هذا الأمر طبيعي وأن يتعاطوا مع هذه المسألة على محمل الجد، وإننا نحذرهم من ضرورة إعطاء حقوق الناس في سيستان الباكستانية وفي سيستان وبلوشستان الإيرانية من مياه نهر هيرمند في أسرع وقت” وقال “إن الحكومة تسعى بكل جهدها لجلب المياه من بحر عمان إلى المناطق الشرقية من إيران، ولكن هذا المشروع يستغرق وقتا”… صفحة العالم الإيرانية 2023/5/18). ونقلت وكالة إرنا الإيرانية عن السفير الإيراني في أفغانستان حسن كاظمي قوله (“إذا ثبت وجود المياه في سد كجكي وطالبان تمتنع عن إعطاء إيران حصتها من مياه هيرمند فعليها أن تتحمل المسؤولية وحينها تكون الحجة قد تمت وتعرف الحكومة الإيرانية كيف تتصرف”… العربية 2023/5/25) فيظهر من تصريحات الدبلوماسي الإيراني العامل في أفغانستان تهديدات بتفجر الوضع بين البلدين. وهذا لم تقم به إيران في السابق في ظل وجود الأمريكان والحكومات الأفغانية التابعة لهم فكانت علاقتها مع تلك الحكومات جيدة رغم وجود هذه المشكلة منذ عشرات السنوات. فتصريحات الرئيس الإيراني وغيره من المسؤولين الإيرانيين المحذرة والمهددة تؤكد أن الأوضاع بين البلدين لا تسير على ما يرام، ويبقى التوتر سيد الموقف حتى تحل إيران مشكلة المياه من جانبها لمنطقتها في سيستان وبلوشستان كما أشار الرئيس الإيراني من جلب المياه من بحر عمان ومن ثم تحليتها ومن ثم توزيعها على الأراضي الزراعية. ويظهر أن المسؤولين الإيرانيين يريدون أن يوظفوا الأمر لحسابهم ويجعلوا سبب المشكلة هو حكومة أفغانستان التي تمنع تدفق المياه من أفغانستان، علما أن هذه المشكلة عمرها أكثر من قرن ونصف، إذ إن هناك سخطا بين أهل هذه المنطقة على النظام الإيراني ويعانون من الإهمال والتهميش، وتشهد المنطقة حركات احتجاجية ضد النظام وفيها حركة تدعو للانفصال.

8- كتب الناطق باسم إمارة أفغانستان الإسلامية ذبيح الله مجاهد على حسابه في موقع توتر يوم 27/5/2023 قائلا (“إن كابول متمسكة بالإيفاء بالتزاماتها ولكن منسوب المياه تراجع نتيجة الجفاف الشديد” وقال: “إن التصريحات غير المناسبة الصادرة عن الجانب الإيراني في هذا الصدد يمكن أن تضر بالعلاقات بين البلدين وبالتالي ينبغي عدم تكرارها”). فهذا رد لائق غير مهدد ولكنه يرفض التهديد ويحذر منه، سواء لتصريحات رئيسي أو غيره من المسؤولين الذين أطلقوا تصريحات تهديدية لأفغانستان مستهينين بها، ويظهر أن أفغانستان لا تريد توتير العلاقات مع إيران.

9- هناك أنهار حدودية في أفغانستان مع إيران مثل نهر هلمند ونهر فراه ونهر هريرود، وهناك أنهار أصغر مثل هاروت وخاسبوش ونهر خاش ونهر بودائي وكلها تنبع من أفغانستان وتصب في بحيرة بوزك وبحيرة صبري الواقعتين على الحدود المشتركة بين البلدين. ويعد نهر هلمند المصدر الرئيس لإمداد سهل سيستان بالمياه، ويعتبر بمثابة شريان الحياة لمحافظة سيستان وبلوشستان التي تعاني من جفاف مزمن. ويظهر أن الأنهار الأفغانية وخاصة نهر هلمند تلعب دورا جيوسياسيا كبيرا في العلاقات بين البلدين وتستطيع أفغانستان أن تستخدم مسألة المياه كأداة ضغط قوية على إيران وغيرها لتحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية، وخاصة أن نحو 95% من هذه المياه تتدفق داخل أفغانستان نفسها.

10- إن كل ما سبق يبين أن أصل المشكلة هو ما صنعه الإنجليز من “تمزيق” بلاد المسلمين، فجعلوا سيستان وبلوشستان أجزاء ثلاثة! جزءاً لإيران وجزءاً لباكستان وثالثاً لأفغانستان، ولذلك أصبح مجرى النهر ومصبه تتنازعه كيانات ثلاثة تختلف عليه وتتنازعه، ولو كانت هذه البلاد الثلاثة كياناً واحداً، دولة واحدة كما أمر الله لصلح الأمر واستقام. ولهذا فإن حل هذه المشكلة التي وصلت للقتال بين إيران وأفغانستان لا يكون إلا بإلغاء الكيانين الإيراني والأفغاني وغيرهما من الكيانات القائمة في العالم الإسلامي ودمجها في دولة واحدة تقوم على الإسلام، وتلغي الفوارق العرقية والمذهبية والحدود التي رسمها الإنجليز. فأصل المشكلة معروف هو التقسيم الاستعماري للبلاد الإسلامية، والكل قد اصطلى بنار الاستعمار ومخلفاته، وقد عبر عن ذلك بعض المسؤولين الإيرانيين كما بينا في الأعلى. وحل المشكلة معروف هو وحدة هذه البلاد كما كانت قبل الاستعمار وجعلها دولة واحدة تقوم على الإسلام بحق، وذلك بكل أسسه وفروعه وجوانبه، فعندئذ تجري المياه في مجاريها، ويستقي الناس وترتوي الأنعام وتنبت الأرض من خيراتها ما شاء الله، وتوزع الثروات النفطية أيضا على الجميع، فينعم الجميع بما حباهم الله من خيرات، ويسعدون في ظل أحكام الإسلام…

وغير ذلك من الحلول كلها جزئية ومؤقتة وهي قنابل موقوتة في أية لحظة يمكن أن تنفجر. فندعو الجميع إلى العمل الجاد المجد لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي توحد بلاد المسلمين، ومن ثم يعز المسلمون بعز الإسلام ويكونون عباد الله إخوانا.

هذا هو الحل الذي يدعونا الإسلام إليه؛ حيث العزة والحياة الطيبة الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

السابع عشر من ذي القعدة 1444هـ

2023/6/6م

المصدر: جريدة الراية