جريدة الراية: خطط الغرب الكافر وأساليبه للقضاء على ثورة الشام


جريدة الراية: خطط الغرب الكافر وأساليبه للقضاء على ثورة الشام

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

لا شك أن الحديث عن خطط الغرب الكافر وأساليبه وأدواته التي يستخدمها للقضاء على ثورة الشام يجب أن يحتل مركز الصدارة بين باقي المواضيع، ويتطلب المداومة على ذكره والتذكير به بين الحين والآخر؛ حتى يبقى حاضراً في الأذهان، وتبقى الخطط والأساليب والأدوات مكشوفة لأهل الشام وهم يعملون على تغيير واقعهم، ويسيرون في طريق تحررهم من نير الاستعمار بكافة أشكاله.

لقد كانت خطة أمريكا المتعلقة بثورة الشام، ولا زالت، تقوم على فكرة أساسية، وهي القضاء عليها وإعادة أهلها إلى سيطرة عميلها طاغية الشام أو أي عميل آخر ترتضيه، بحيث يكون قادراً على تحقيق مصالحها. هذا من حيث الخطة، أما من حيث طريقة التنفيذ فقد جعلت الحل السياسي طريقة وحيدة لما أسمته حل الأزمة السورية وطريقة لتنفيذ هذه الخطة، كما استخدمت المؤتمرات الدولية “جنيف وأستانة وسوتشي وملحقاتها” كأحد الأساليب المعتمدة لكسب الوقت ريثما تُنَفِّذ أهدافها من جهة، ولإضفاء الشرعية الدولية على أعمالها من جهة أخرى، وجعلت من الدور الروسي والدور التركي والدور الإيراني في سوريا أدوات أساسية رئيسية تستخدمها في تنفيذ أساليبها ومخططاتها. كما أضافت أدوات صغيرة في الداخل تمثلت بالمنظومة الفصائلية وقياداتها المرتبطة بعد أن استخدمت أسلوب الاختراق والدعم بالمال والسلاح الخفيف والمتوسط لقيادات الفصائل، وذلك لخداعها والسيطرة عليها ومصادرة قرارها وسلب إرادتها، لجعلها أداة بيدها تنفذ بها أساليبها الخبيثة، وهذا ما مكنها من فرض الهدن على المناطق التي خسرها عميلها طاغية الشام، ومن ثم استعادتها الواحدة تلو الأخرى.

وأيضا المنظومة السياسية، فصنعت ما تسمى “المعارضة” لإشراكها في المفاوضات وذلك لإضفاء الشرعية على حلها السياسي الخبيث وجعلها شاهد زور على تصفية الثورة.

كما صنعت اللجان المختلفة كلجنة المفاوضات واللجنة الدستورية التي هي الأداة لصياغة دستور مفصل على مقاسها يضمن لها مصالحها ويقصي الإسلام عن حياة المسلمين في الدولة والمجتمع.

وهكذا أصبح من زعم أنه يمثل القيادة السياسية للثورة ومن يمثل القيادة العسكرية ومن يرسم مستقبل أهل الشام، أصبحوا أدوات لتنفيذ الأساليب والخطط السياسية للغرب الكافر.

وعملت أمريكا من أجل تنفيذ سياساتها على محورين؛ المحور الأول: دعم عميلها نظام أسد حفاظا عليه ومنعه من السقوط، والمحور الثاني: إضعاف الثورة واحتواؤها والسيطرة عليها تمهيدا للقضاء عليها وإعادة أهلها لحظيرة عميلها طاغية الشام، بعد أن تظاهرت بوقوفها ضده ودعم الثورة، وذلك لتضليل أهل الشام وخداعهم وليسهل عليها تنفيذ خططها.

وبعد تبيان الأدوات يمكن تلخيص سياسة أمريكا ومكرها ضد ثورة الشام كالتالي:

– تدويل قضية الثورة فكان مؤتمر جنيف1 سنة 2012م، ثم استمرت بعرض سلسلة حلقاته.

– إدخال مرتزقة إيران وحزبها في لبنان لملء الفراغ الذي أحدثه انشقاق الضباط والعناصر والتحاقهم بالثورة.

– إدخال روسيا سنة 2015م واستخدامها كأداة قمع وعصاً غليظة لقتل أهل الشام وتشريدهم وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم.

– حصر كل من ثار على عميلها ضمن سجن كبير في أقصى الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي لسوريا بعيداً عن العاصمة دمشق.

– إشراك إيران وتركيا لضبط إيقاع روسيا وتحجيم أطماعها، فكان دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية في أواخر شهر آب سنة 2016م.

– تسليط قيادات الفصائل المرتبطة على ما تبقى من المناطق المحررة بعد أن وضعتها تحت إشراف النظام التركي وذلك لتبريدها وقتل روح الثورة في نفوس أهلها عن طريق هذه القيادات المرتبطة، وذلك بالضغط على الثائرين وكسر إرادتهم تمهيداً للحل السياسي الخبيث، وهذا ما دفع قيادات الفصائل لمزيد من الارتماء في أحضان مخابرات الدول الداعمة، ولمزيد من التنازلات وتغيير الجلود، لأنهم فقدوا حاضنتهم واستندوا في قوتهم إلى تلك الدول بدل أن يستندوا في قوتهم إلى حاضنتهم.

هذا ما عملت وتعمل عليه أمريكا للقضاء على ثورة الشام لتطبيق حلها السياسي الخبيث وفرضه على أهل الشام، ولتضمن بذلك إبقاء سيطرتها على أرض الشام واستعمارها.

وبذلك يتضح أن الدولة الفاعلة والمتحكمة في ملف الثورة السورية هي أمريكا بلا منازع، ويتضح أن حلها السياسي الخبيث لا يعدو سوى عملية تغيير في الشكل مع الحفاظ على المضمون، حلاً يضمن لها مصالحها على حساب مصالح أهل الشام الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل التحرر من عميلها، حلاً تضيع فيه تضحيات أهل الشام ويستبعد فيه الإسلام عن حياة المسلمين في الدولة والمجتمع.

يجب أن يدرك أهل الشام أن المنظومة الفصائلية بدورها الحالي وقرارها المصادر هي أداة صغيرة من أدوات الغرب الكافر للسيطرة على ثورة الشام واحتوائها تمهيداً للقضاء عليها وإعادتها لحضن النظام، وسيتم التخلص منها بعد تحقيق مهمتها، وهذه المنظومة بواقعها الحالي هي أول عقبة تقف حائلاً أمام أهل الشام وتقيّد أعمالهم وتمنعهم من التحرك، فإذا أرادوا أن يتحركوا فقد وجب عليهم التحرك خارج إطار المنظومة الفصائلية المرتبطة، والعمل على تغيير دورها التسلطي؛ وهي بهذا الواقع لن تحقق نصرا ولا يجوز لأهل الشام أن يربطوا مصير ثورتهم بها، لأنها منظومة مسلوبة القرار مرهونة لما تسمى الدول الداعمة.

كما يجب على أهل الشام أن يدركوا أن المنظومة السياسية التي صنعها الغرب الكافر وزعم أنها تمثل أهل الشام وصدّرها على أنها قيادة سياسية لهم، هي عبارة عن أداة بيده لتصفية الثورة عن طريق المفاوضات والتسويات، وبناء عليه وجب عليهم أن يتخذوا قيادة سياسية واعية ومخلصة خارج إطار هذه المنظومة السياسية، وأن لا ينتظروا منها حلاً يحقق آمالهم ويشفي آلامهم، وأن لا يربطوا مصير ثورتهم بها لأنها منظومة سياسية مرتبطة بسياسات الدول المحاربة للإسلام وأهله.

كما يجب على أهل الشام أن يدركوا أن لجنة صياغة الدستور التي صنعها الغرب الكافر هي أداة بيده لرسم مستقبل أهل الشام حسب وجهة نظره التي تفصل الإسلام عن الحياة، ولتفصّل دستورا على مقاسه، وبناء عليه، وَجَبَ عليهم أن يتبنوا مشروعاً سياسياً خارج إطار هذه اللجنة؛ مشروعاً واضحاً منبثقاً عن عقيدتهم الإسلامية.

هذه هي خطط الغرب الكافر وطريقته وأساليبه وأدواته، وما ينبغي على أهل الشام فعله حتى يصلوا بثورتهم إلى بر الأمان.

بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب

 رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا

جريدة الراية: الاقتصاد المصري بين الواقع وهيمنة العسكر


جريدة الراية: الاقتصاد المصري بين الواقع وهيمنة العسكر

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

خلال اجتماع الملك فاروق بحكومته سنة 1949م، قرروا إنشاء الإدارة العامة للمصانع الحربية مهمتها البدء فورا في إنشاء مصانع حربية تنتج سلاحاً مصرياً لاستخدام الجيش وأعطيت الإدارة كافة الصلاحيات والإمكانات المالية، وفي عام 1951 افتتحت أول مجموعة مصانع حربية بحلوان متخصصة في صناعة الصواريخ والبنادق والمقذوفات بأنواعها، تلقفها نظام ما بعد ثورة يوليو، عسكر أمريكا، واستغلوها في الترويج لأنفسهم حتى ليظن المستمع أنهم هم أصحاب فكرتها ومطوروها، بينما هم حقيقة من أوقفوا تطورها وأهملوها ككل الصناعات والبنى التحتية المؤهلة للتصنيع التي أهملوها، بل تحركوا فيها حراك المضطر الذي يريد أن يظهر أمام الناس في ثياب البطل صاحب الإنجازات ولو استغلوها حق الاستغلال بما لها من إمكانيات وصلاحيات لتغير وضعها ووضع مصر معها، لكن هذا لا يقوم به العملاء بل يحتاج لمخلصين، هذه هي البداية التي رأينا من خلالها ما هو موجود الآن ويديره الجيش بتفرعاته ويطلق عليه المصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع وما إلى ذلك، في نوع ضخم من الاقتصاد غير خاضع لقوانين الدولة ولا يدخل موازنتها، فكل ما يتفرع من شركات ومؤسسات تستفيد من الامتيازات الممنوحة للمؤسسات العسكرية فلا جمارك ولا ضرائب ولا تراخيص ولا حتى تحتاج لشراء الأرض التي تحتاج إليها في مشروعاتها تلك، ولا يستطيع أحد منازعتها فيما تريد، بل تمنح المزيد والمزيد من المميزات على حساب باقي العاملين والمستثمرين في شتى القطاعات حتى إن نجيب سويرس شريكهم بالأمس قد استنكر عليهم ذلك، فما هو واقع هذا الاقتصاد؟ وهل يوضع في يد العسكر حقا من أجل إنقاذ مصر؟ وما الذي يجب أن يكون عليه الاقتصاد في مصر؟

أولا يجب أن نبين ما الذي يجب أن يكون عليه الاقتصاد؟ فما يفعله النظام مع المؤسسة العسكرية وما تفرع عنها وما يمنحهم من امتيازات هي حق أصيل ولكن ليس لهم وحدهم بل هي حق أصيل لكل الناس، فالأصل أنه لا جمارك على البضائع التي تدخل الدولة طالما أن مالكها يحمل تابعية الدولة، كما أنه ليس للدولة أن تحصل الضرائب من الناس، ولا يحتاج من يريد بناء مصنع أو متجر إلى ترخيص من الدولة بل يكفي أن يعلم الدولة بما ينوي القيام به على سبيل العلم والخبر والاستشارة فيما لو احتاج دعما من الدولة فيما يقوم به من أعمال سواء بالدعم المادي أو التوجيه، ولكن ليس للدولة أن تمنعه من العمل ما لم يكن حراما وما لم يكن فيه ما يضر الناس أو كيان الدولة وليس الحكام واستثماراتهم فقط، كما أن لكل الناس كل الحق في إعمار الأرض واستغلالها سواء بالزراعة أو بناء السكن أو المصانع والمتاجر ما لم تكن أرضا مخصصة لرعاية شؤون الناس ومصالح الدولة، وما يمنع عن عوام الناس لا يمنح لخواصهم أبدا ولو كانوا حكاما ومتنفذين في الدولة، قال ﷺ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً فَهِيَ لَهُ»، فمن أراد تملك أرض لزراعتها أو إنشاء مصنع عليها، لا يجوز للدولة منعه منها ولا بيعها له بل يجب عليها أن تدعمه في هذا السبيل قدر استطاعتها حتى يتمكن من إحيائها والاستغناء بها عن سؤال الناس، هذا بخلاف أن المشاريع العملاقة التي تختص بحقول النفط والغاز والمناجم وغيرها من الثروات الدائمية وشبه الدائمية تسمى ملكية عامة لا يجوز التفريط فيها ولا منحها لأشخاص أو هيئات ومؤسسات ولا الشراكة عليها مع شركات الغرب وهيئاته، بل يجب أن تقوم الدولة بإنتاج الثروة منها وإعادة توزيعها على الناس عينا أو في صورة خدمات حقيقية وليس دعما وهميا كالذي تمن به الأنظمة العميلة على رعاياها بينما تنهب كل ثروتهم! هذه الأمور وحدها كيف تصنع مع اقتصاد دولة لو طبقت على الوجه الصحيح فكان للناس حق الزراعة والتصنيع دون قيود الغرب وضغوطه، كيف لو ألغيت الجمارك والضرائب وتمكن الناس من حقوقهم في النفط والغاز والكهرباء وكل وسائل الطاقة فلم تعد هناك أعباء تثقل كاهل المصنع والبائع؟ كيف ستكون الأسعار وكيف سيكون شكل الدولة وإنتاجها وعمل أبنائها؟! هذه لمحة بسيطة لما يجب أن يكون عليه واقع الاقتصاد ونظامه الذي بينه الإسلام والذي لا يستطيع العملاء تطبيقه فهم مجرد أدوات، وهذا الذي عرضنا لمحة منه لا يمكن تطبيقه بمعزل عن أصله في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة

إن واقع هذا الاقتصاد الضخم هو شركات ومصانع ومزارع بكافة أنواعها حتى تخطى الأمر إلى شراكة مع هيئات وشركات خارجية على مشاريع عملاقة كلها تملك زمامها الدولة، أي أنها تدخل في حقيقتها ضمن الملكية العامة التي لا يجوز للأشخاص تملكها، ولكن هل توضع في يد الجيش من أجل إنقاذه أو إنتاج الثروة منها حقا أم هناك مآرب أخرى؟ قطعا لا يتحرك العملاء لخدمة البلاد ولرعاية الشعوب بل كل حركاتهم لمصالح سادتهم في الغرب ولتثبيت عروشهم التي نخر فيها السوس، ولهذا فلا يصدق عاقل أن غاية النظام المصري هي إنقاذ الاقتصاد المهترئ، فحقيقة الأمر أن النظام يعطي هذه المشاريع والمكتسبات خالصة مخلصة لرجال الجيش دون أي رقابة من الدولة فتصبح بهذا ملكية خاصة لشركات يديرها أفراد من الجيش حاليون أو متقاعدون، وحكام مصر لا يعنيهم الناس ولا معاناتهم اليومية لضمان أقواتهم، فلو تطلب الأمر سيدوسونهم ثانية بالمجنزرات لحماية مكتسباتهم ومميزاتهم التي حصلوها، وما يفعله رأس النظام الآن من تمكين الجيش وقادته من الهيمنة على اقتصاد مصر ليس سوى رشوة يضمن بها ولاء قطاع عريض في الجيش بعائلاتهم وأقربائهم ممن سينالهم نصيب مما اكتسبوا، فيستطيع بهم رعاية مصالح سادته في الغرب وحماية امتيازاتهم واستثماراتهم وما ينهبون من خيرات مصر، وفي النهاية يحولهم إلى شركاء في جريمة الخيانة لمصر وأهلها وجريمة التفريط في حقوقها بل ويجبرهم بأنفسهم على تمكين لصوص الثروات وحمايتهم أثناء سرقتها، فلا غايتهم إنقاذ مصر ولا تعنيهم إلا بقدر ما يضاف لأرصدتهم في بنوك الغرب، وهنا نسأل هؤلاء الذين قبلوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات قمع لشعوبهم لقاء عرض من الدنيا قليل وفتات يلقى إليهم هو في أصله جزء من حقوقهم التي يسلبها الغرب وأعوانه من الحكام العملاء، كيف ستلقون الله عز وجل؟! وما الذي سيغسل دماء إخوانكم عن أيديكم؟ وهل ستحميكم هذه الأموال من غضب الله وعقابه حتى لو تصدقتم منها وحججتم وفعلتم ما فعلتم؟! فأصلها رشوة وسحت ستكتوون بها في نار جهنم إلا من رحم الله. كيف أنتم إذا وضع الكتاب وإذا هو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدتم أعمالكم واجتماعاتكم وميزاتكم حاضرة أمام الله الذي لا يظلم أحدا؟! ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾، فإن كانت لكم طاقة بنار الله وعذابه فاقبلوا ما يلقى لكم من رشى! وإن كنتم تخافون الله وتخافون يوم تعرضون عليه فأنقذوا أنفسكم من غي هذا النظام ورجسه وأعلنوها لله غضبة تقتلعه من جذوره وتزيل كل أوزاره وأقيموها مع المخلصين من أبناء الأمة خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ دولة يعز الله بها الإسلام وأهله وينصر بها جنده.

بقلم: الأستاذ سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

جريدة الراية: أمريكا تخطو نحو التحكم الكامل في العملية السياسية في السودان


جريدة الراية: أمريكا تخطو نحو التحكم الكامل في العملية السياسية في السودان

 23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

لم ينجح الاتفاق السياسي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بين البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي أعلن عن استقالته عبر التلفزيون الرسمي السوداني في الثاني من كانون الثاني/يناير 2022م، وكشف عن عجزه في إدارة الأزمة السودانية فقال: “تمر بلادنا بمنعطف خطير قد يهدد بقاءها في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية، والصراعات العدمية بين كل مكونات الانتقال”، وقال: “ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق لكن ذلك لم يحدث”، وقال: “مسيرة الانتقال كانت هشة ومليئة بالعقبات بسبب الانقسام السياسي، إذ إن أفق الحوار انسد بين الجميع والتنازع بين شريكي الحكم انعكس على أداء وفاعلية الدولة على مختلف المستويات”.

وجد حمدوك، الذي يمثل الوجه المدني الموالي لأوروبا في الحكومة الانتقالية، وجد نفسه عاجزاً أمام العسكر الموالين لأمريكا، فقدم استقالته، وظن البعض أن هذه الاستقالة ستضيق الخناق على المكون العسكري داخليا وخارجياً، بيد أن أمريكا سرعان ما أصدرت خارجيتها بياناً اعترفت فيه بقيادة العسكر للعملية السياسية في هذه المرحلة، وشددت على ضرورة تعيين رئيس للوزراء، وحكومة بما يتماشى مع الوثيقة الدستورية، وجاء في بيان الخارجية أنه “يتعين على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبا، والتوصل إلى توافق”، وهو اعتراف ضمني بقيادة العسكر للبلاد بدون حمدوك، قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن “إن هناك طريقا للمضي قدما، مطالبا قادة السودان بإحراز تقدم سريع في تشكيل حكومة ذات مصداقية وإنشاء مجلس تشريعي وهيئات قضائية وانتخابية”، كل ذلك لضمان بقاء الفترة الانتقالية في قبضة رجالها من العسكر والقوى الأمنية الأخرى.

ثم حركت أمريكا أدواتها الإقليمية والدولية، للوصول إلى توافق يضبط بوصلة الوضع السياسي لصالحها، على الأقل في الفترة الانتقالية، فأعلن رئيس البعثة الأممية في السودان، فولكر بريتس، عن إطلاق عملية سياسية تشمل الحركات المسلحة والأحزاب السياسية، وقطاعات واسعة، من أجل الاتفاق على مخرج من الأزمة السياسية الحالية، وأن الأمم المتحدة تتولى تيسيرها، (سبوتنيك 2022/01/08م). وقال فولكر في بيان للبعثة الأممية صدر يوم الاثنين 2022/01/03م عقب استقالة حمدوك: “إنه يحترم قرار رئيس الوزراء”! والجدير بالذكر أن مجلس الأمن قد اتخذ القرار 2524 في 3 حزيران/يونيو 2020، والذي تم بموجبه إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم (حسب زعمهم) المرحلة الانتقالية في السودان، من خلال مجموعة من المبادرات السياسية، وهو ما أكده فولكر خلال حوار في صفحة أخبار الأمم المتحدة في 13 كانون الأول/ديسمبر 2021، حيث قال: “الهدف الرئيسي لبعثة يونيتامس هو مساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية، فيما يتعلق بالانتقال السياسي. وكذلك من خلال الانتقال إلى السلام. وفي الواقع، هناك أيضا انتقال ثالث وهو الانتقال نحو التعافي الاقتصادي”.

ويبدو أن لدى البرهان وعوداً بالدعم السياسي فيما تبقى من الفترة الانتقالية، ووعداً (كاذبا) بتلقي مساعدات إذا استمر في نهجه، وأتقن التحكم في الفترة الانتقالية لصالح أمريكا، حيث قال، حسب موقع الجزيرة 2021/12/04: “إن الجيش سيترك الساحة السياسية بعد الانتخابات المقررة عام 2023″، مضيفا “أن هناك “مؤشرات إيجابية” تتصل بدعم المجتمع الدولي مجددا للخرطوم”. وقال: “عندما تعود الأوضاع لطبيعتها، نتوقع عودة المساعدات الاقتصادية الدولية”، ولتطمين الشارع وتهدئة الاحتجاجات قال البرهان في مقابلة مع وكالة رويترز إنه “عندما تأتي حكومة منتخبة فإن الجيش والقوات النظامية لن تكون لها مشاركة في الشأن السياسي”، وهو يعني استمرار بقائه في السلطة حتى نهاية الفترة الانتقالية، وهو ما تريده أمريكا. ويطمع في الاستمرار في الحكم حيث قال في خطابه بحسب سودافاكس 2021/12/05م: “إن الانتخابات، ستكون مفتوحة لجميع القوى التي شاركت في المرحلة الانتقاليّة”.

لذلك تسارع الولايات المتحدة إلى التحكم في المسار السياسي في الفترة القادمة بتكوين حكومة توافقية، تحقق لها بقاء رجالها في الحكم إلى حين ترتيب الأوراق لاحقاً.

إن المنظمات التي تقوم على غير أساس الإسلام، أو تطبق أحكاماً غير أحكام الإسلام، لا يجوز للمسلمين أن يستعينوا بها في قضاياهم السياسية، وذلك كالمنظمات الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة وفروعها العسكرية والسياسية والاقتصادية، فهيئة الأمم تقوم على أساس النظام الرأسمالي، علاوة على أنها أداة في يد الدول الكبرى ولا سيما أمريكا لتسخرها من أجل فرض سيطرتها على الدول الصغرى، والاحتكام إليها احتكام لغير ما أنزل الله. وكذلك المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي الذي يهندس السياسات ويمررها نيابة عن أمريكا في القارة الأفريقية، تماما مثل ما فعل ود لباد الذي كتب وثيقة الفترة الانتقالية الفاشلة في السودان.

إن ربط قضايا الأمة الإسلامية بغيرها، وإيداعها في دهاليز المنظمات التي يسيطر عليها أعداء الأمة، تباعد من أمل الانعتاق من سيطرة الكافر المستعمر، وعلى المسلمين أن يسارعوا إلى إقامة دولة تحررهم من الهيمنة الغربية وتدخلات منظماتها في شئونهم، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير بقيادة أميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله.

بقلم: الأستاذ يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – ولاية السودان

جريدة الراية: منظمة الصحة العالمية أداة تنفيذية من أدوات النظام الرأسمالي


جريدة الراية: منظمة الصحة العالمية أداة تنفيذية من أدوات النظام الرأسمالي

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

حذرت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء 2022/1/11م من أن أكثر من نصف سكان أوروبا قد يصابون بالمتحور أوميكرون من فيروس كورونا المستجد إذا استمرت وتيرة الإصابات الحالية، وخلال مؤتمر صحفي، حذّر مدير منطقة أوروبا في المنظمة هانس كلوغه من أن أوميكرون يمثل “موجة مد جديدة من الغرب إلى الشرق تجتاح المنطقة الأوروبية” وأضاف “بهذه الوتيرة، يتوقع معهد القياسات الصحية أن يصاب أكثر من 50 في المئة من السكان في المنطقة بأوميكرون في الأسابيع الستة إلى الثمانية المقبلة”. (قناة بي بي سي الفضائية).

فكما هو معروف لدى الجميع أن المبدأ عقيدة ينبثق عنها نظام للحياة، مع الأخذ بعين الاعتبار الغاية من تطبيق ذلك النظام. فالغاية إما أن تكون دنيوية صرفة، وإما أن تكون دنيوية متمثلة في العيش الكريم تحت حكم الإسلام لنيل رضوان الله، ومربوطة بالآخرة وهو الخلود في نعيم مقيم. وعند البحث في الأنظمة القائمة اليوم لا نجد سوى نظامين للحياة؛ نظام مطبق في واقع حياة الناس، ونظام مغيب عن واقع حياة الناس. فالنظام الرأسمالي بعقيدته الرأسمالية التي تفصل الدين عن الحياة وعن الدولة وعن السياسة تطبقه دول الكفر في بلدانها، وتحمله للعالم عن طريق الاستعمار والنفوذ. ونظام الإسلام مغيب عن حياة الناس.

وما هو حاصل اليوم، نتيجة لتطبيق أنظمة وأحكام الرأسمالية، وعدم قدرة ذلك النظام على حل مشاكل الناس، وفشله في رعايتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، فقد آلت حياة الناس إلى الشقاء وضنك العيش، وأصبح حالهم إما الحروب والنكبات والفقر المدقع وتهجيرهم من بلادهم، وإما فتك الأمراض بهم نتيجة انتقالها فيما بينهم لإباحتهم الزنا، والشذوذ الجنسي، ولعدم مجانية التطبيب وكلفته العالية، وجشع شركات الأدوية في تحقيق الأرباح المهولة على حساب أرواح البشر بدون النظر إلى الجانب الإنساني الذي تتشدق به دول الكفر زوراً وبهتاناً.

إن منظمة الصحة العالمية تقوم بعملها على أساس عقيدة المبدأ الرأسمالي كغيرها من المنظمات والهيئات الدولية، والتي تنفذ سياسات الدول الكبرى وتحمي مصالحها. فمنظمة اليونسكو تعمل على تجهيل الشعوب من خلال وضع الخطوط العريضة للمناهج على أساس فصل الدين عن الحياة، ومنظمة اليونيسيف تعمل على الحد من التكاثر الطبيعي للسكان، تحت مسمى تنظيم النسل وموانع الحمل، التي لها تأثير سلبي على صحة المرأة. ومنظمة الأغذية والزراعة تعمل على زيادة البطالة في تلك الشعوب، ومجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة يعملان على إذكاء وإطالة النزاعات والحروب، والبنك وصندوق النقد الدوليان يعملان على إفقار الشعوب وتكبيلهم وحكوماتهم بالديون الربوية التي لا يستطيعون سدادها، ما يجعل الحكومات عرضة للابتزاز.

أما منظمة الصحة العالمية فهي كذلك واحدةٌ من وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة، وأُنشئت في 7 نيسان/أبريل 1948، ومقرها الحالي في جنيف، وهي تعمل على إهلاك الحرث والنسل من خلال فرض القبول بنظريات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، ومنها الخداع والمبالغة في التخويف من خطرِ بعض الأمراض لفتح المجال لشركات الأدوية لتسويق منتجاتها. فالدول الرأسمالية تبني سياساتها لتسهيل مصالح الشركات الرأسمالية، وتضع التشريعات والقوانين في الداخل لتسهيل عمل هذه الشركات، وتفرض التشريعات في القوانين الدولية، وتقيم العلاقات الدولية والاتفاقيات الدولية لهذا الغرض. وفي كثير من الحالات تبنى هذه الإجراءات على أساس المعارف العلمية، فتلجأ إلى العبث والخداع في النظريات العلمية. وكما أن الدول الرأسمالية الاستعمارية تتخذ من المؤسسات الدولية أداة لتنفيذ سياساتها الدولية، فكذلك هناك مؤسسات علمية عالمية عدة تهيمن على الساحة العلمية وتتخذها الدول الرأسمالية أدوات لهذه السياسات.

فالرأسمالية في أساسها مبدأ ظالم لا مكان فيه للضعفاء، ولا راحة فيه للأقوياء، ولو طبق النظام الرأسمالي كما هو لثار الناس لشدة ما سيقع بهم من حيف وجور واستغلال. والعقلية النفعية التي لا تقيم وزناً إلا للمادة، تحمل صاحبها على فعل أي شيء يحقق الربح، ولو كان فيه هلاك الناس، ودمار المجتمع، بل حتى لو كان فيه هدم للنظام الرأسمالي نفسه. ولذلك، وحفظاً للنظام الرأسمالي من سخط الناس وثورتهم ضده إذا طُبق عليهم كما هو، اضطر الرأسماليون إلى إصدار بعض القوانين المخالفة في أصلها للمبدأ الرأسمالي، والتي تهدف إلى ترقيع هذه الثغور المهلكة في نظامه. وما ذلك كله إلا نتيجة طبيعية لوجهة النظر الرأسمالية عن الحياة. فالمادية والنفعية مقياسها، ومعالجات وتشريعات الملكية الفكرية نتاجها. ووجهة النظر هذه لا تُغَلِّب القيم المادية فحسب بل تُسَخِّر القيم الأخرى لتحقيق القيم المادية. كل ذلك بسبب الأساس الفاسد الذي انبثقت عنه هذه المعالجات الفاسدة التي أغرقت أصحابها والعالم أجمع بالشر والظلم.

أما الإسلام فقد أوجب على الدولة تحقيق إشباع الحاجات الأساسية للرعية، ‎ومن ضمنها التطبيب، فتؤمّن الدولة التطبيب للجميع لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف،‎ وتدفع جميع النفقات المترتبة على ذلك من بيت المال أي من خزينتها، قال رسول الله ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». والطب من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس، فهو من الضروريات، قال عليه الصلاة والسلام: «‏مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِناً فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، فقد جعل الرسول ﷺ الصحة حاجة، على أن عدم توفير الطب لمجموع الناس يؤدي إلى الضرر، وإزالة الضرر واجب على الدولة، قال عليه الصلاة والسلام: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». فمن هذه الناحية أيضاً كان التطبيب واجباً على الدولة، ولن تقوم بهذا الدور كما يجب إلا دولة الحق والعدل التي لا يسعى حكامها إلا لنيل رضوان الله عليهم، وليست تلك الدولة إلا دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، عجّل الله بقيامها. وما ذلك على الله بعزيز.

بقلم: الأستاذ عبد الله القاضي – ولاية اليمن

جريدة الراية: علماء الحرفة وحمل الدعوة


جريدة الراية: علماء الحرفة وحمل الدعوة

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

يمتاز العلماء المُتخصّصون بأداء أدوار عظيمة في خدمة الأمّة، سواء أكان هؤلاء العلماء فقهاء أو مفسرين أو أهل حديث أو أهل لغة أو مؤرخين أو غير ذلك، فالله سبحانه قد ميّزهم بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فيبيّنون أحكام الإسلام التي يحتاج إليها الناس، وينفون عنه تأويل المُبطلين، ويتصدّون للمستشرقين فيسردون حوادث التاريخ، ويُحلّلون وقائعه من منظار إسلامي صحيح.

والمقصود بالعلماء هنا هم علماء الحرفة المُختصون المؤهلون لا عُلماء السلاطين المأجورين، ولا علماء الأهواء المنحرفين.

وبالرغم من عظم دور العلماء وأهميته إلا أنّ دور حملة الدعوة أعظم وأهم، فحمل الدعوة واجب عيني دائم لا ينقطع، وهو يشمل جميع المكلفين سواء أكانوا علماء أم عامّة، قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ أي ولأنذر من بلغه، فالإنذار لكم أيّها الناس ولمن تقومون بتبليغه إيّاه، أي هو دعوة لهم أنْ يبلغوه عن الرسول ﷺ الذي قال: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ أي إلى الإسلام، وقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي إلى دينه، فحمل الدعوة واجب يتعلق بالأفراد والجماعات والأحزاب والدولة التي تقوم بواجبها في حمل الدعوة عن طريق الجهاد لقوله عليه الصلاة والسلام: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، فحمل الدعوة عمل عظيم لا ينقطع، يغفل عنه كثيرون، وبه تحيا الأمّة بالإسلام، ومن خلاله تنهض.

والصحابة الذين حملوا الإسلام وطبّقوه لم يكونوا في جملتهم من العلماء، بل كان جلهم من حملة الدعوة، فالموضوع ليس متعلقاً بالعلماء المتخصصين أو ما يسمى بعلماء الحرفة، بل هو متعلق بحملة الدعوة، سواء أكانوا علماء أو غير ذلك، ونهضة الأمّة لا تتوقف على وجود العلماء أو العسكريين أو الإداريين، بل تتوقف على حملة الدعوة المُتكتلين الذين تحتضنهم الأمة.

فاستئناف الحياة الإسلامية والحكم بما أنزل الله والجهاد في سبيل الله أعمال تحتاج إلى حملة الدعوة قبل وأثناء وبعد الاحتياج إلى العلماء المُتخصّصين، أو المُقاتلين المُدرّبين، أو الإداريين من ذوي الكفايات العالية.

إنّ حملة الدعوة هم سياسيون جادون يتبعون قيادةً مخلصة واعية يعملون في الأمة ومعها، ويحملون همّها وحاضرها ومُستقبلها، ويعملون على رعاية كل شؤونها بمبدأ الإسلام العظيم بشموليته وربانيته، وبوصفه عقيدةً ونظام حياة، وفكرةً وطريقة، ولا يتمّ ذلك إلا بإقامة دولة الإسلام دولة الخلافة.

فالعبرة تكون بحمل دعوة الإسلام والتلبس بها سواء أكانوا من العلماء أم من غيرهم، أمّا العلماء فإن كانوا من حملة الدعوة فلا يُخشى عليهم من الانزلاق والزلل، فيستطيعون تمييز الأمور، والإصابة فيها، وأمّا إنْ لم يكونوا من حملة الدعوة، ولا مُتلبسين بها، فربما يكونون عرضة للزلل والوقوع بالأخطاء الفادحة، وإطلاق الأحكام المجانبة للصواب، ولنأخذ مثالاً واحداً يوضح هذه الفكرة ويتعلق بعالم تاريخ معاصر هو راغب السرجاني في تفسيره للواقعة التاريخية المتعلقة بالصدام السياسي والعسكري بين الدولة العثمانية والدولة المملوكية، وهزيمة الأخيرة وسقوطها، فيصف السرجاني الدولة العثمانية بأنها المعتدية، وأنّ حربها على المماليك كانت انحرافاً كبيراً، فيقول: كان على العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول في ذلك الوقت أنْ يختاروا واحداً من أربعة اختيارات، الأول: حسم مسألة الدولة الصفوية، والثاني: الاستعداد لمواجهة القوى الكبرى التي برزت في غرب أوروبا كإسبانيا والبرتغال والنمسا، والثالث: ردع فرسان القديس يوحنّا، والرابع: الاهتمام بالأوضاع الداخلية للدولة، ويُضيف: “كان من المُتوقّع لسليم الأول أنْ يختار واحداً من هذه الاختيارات أو بعضها، ولكنّه أعرض عنها كلها واختار دون مُبرّر عقلي أو شرعي أنْ يجتاح دولة المماليك المُسلمة ليضمّها إلى أملاكه. إنّ هذا انحرافٌ كبير وشنيع في فكر الدولة العثمانية… وتخبّطٌ في الرؤية، فهو يُريد زعامة ومكانة بالسيطرة على مكة والمدينة والقدس، ولو على أشلاء المسلمين من الطرفين”.

إنّ عدم تلبس راغب السرجاني بحمل الدعوة، وعدم إدراكه لمفهوم وحدة الأمة حول قيادة واحدة وخليفة واحد، وتأثّره بمفهوم الدولة القومية جعله ينحاز في تفسيره للتاريخ بعيداً عن الصواب واتباعاً للهوى، والرد الصحيح على كلامه من مُنطلق الفكر الإسلامي الصحيح، ومن زاوية حمل الدعوة وإيصال الإسلام إلى الحكم، ووضعه موضع التطبيق والتنفيذ يُمكن بلورته في النقاط التالية:

1- إنّ ما قام به سليمان الأول من توحيد مصر وبلاد الشام والأناضول وتراقيا في دولةٍ واحدة هو عمل عظيم واختيار أهم من الاختيارات الأربعة التي ذكرها السرجاني، لأنّه أمر يتعلق بوجوب وحدة المسلمين في كيان واحد قوي وليس إبقاءهم في كيانات ضعيفة متفرقة.

2- إنّ تحوّل هذه البلاد الإسلامية الواسعة إلى دولة خلافة واحدة، ونقل الخليفة العباسي الشكلي من القاهرة إلى إسطنبول، ومبايعته لسليم الأول بوصفه خليفة المسلمين هو عمل شرعي عظيم، أعاد به عصر الخلافة الحقيقية الذي كان يحكم الخليفة فيه بنفسه بعد أنْ كان مُجرد ألعوبة بيد المماليك.

3- أمّا الاختيارات التي ذكرها السرجاني وقال بأنّ سليم الأول لم يخترها فهذا غير صحيح، لأنّه ثبت أنّ سليم الأول قد هزم الدولة الصفوية واحتل عاصمتها، وهذا ما لم تفعله دولة المماليك، وقد غزا المناطق الشرقية لأوروبا، ومهّد الطريق لابنه سليمان لغزو وسط أوروبا ومحاصرة فينّا عاصمة النمسا، وواجه هو وابنه من بعده الأساطيل الإسبانية والبرتغالية، وهذا أيضاً لم يفعله المماليك، وحارب القراصنة الصليبيين هو وابنه من بعده، ونظّفوا البحر المتوسط من سيطرتهم، ولا أدل على ذلك من غزوات برباروسا البحرية المشهورة للجزر والموانئ التابعة للدول الأوروبية، وهذا أيضاً لم يفعله المماليك، وأمّا الاختيار الرابع فإنّ سليم قد قام بضبط أعمال الدولة وإيجاد الاستقرار فيها بقدر الإمكان، ومهّد لابنه سليمان القانوني الذي قام بأعظم الإصلاحات في الدولة العثمانية، وسمّي بالقانوني لأنّه أكثر من سن القوانين الشرعية لإصلاح الدولة، وهذا ما لم يفعله المماليك.

فلماذا إذاً هذا التحامل غير اللائق على رجل عظيم كسليم الأول قام بأعمال عظيمة في توحيد المسلمين وحماية بيضتهم، ولماذا وصَفَ أعماله بالانحراف الشنيع والتخبط في الرؤية، وأنه يريد الزعامة والمكانة ولو على أشلاء المسلمين؟!

إنّ كلام السرجاني هذا واتهاماته الباطلة لسليم الأول بهذه الألفاظ لا يدل على موضوعية في تفسير التاريخ، بل يدل على تحامل وحقد بدوافع أشبه ما تكون بدوافع المستشرقين.

ما كان السرجاني وهو الباحث العميق المتخصص بالتاريخ أنْ يقع في مثل هذه الزلات الخطيرة لو كان حاملاً للدعوة، لأنّ حمل الدعوة يضبط علم العالم، ويحرسه من السقوط في مستنقع الأهواء.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: المبعوثون الدوليون وجهٌ من وجوه الاستعمار الحديث


جريدة الراية: المبعوثون الدوليون وجهٌ من وجوه الاستعمار الحديث

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

عينت أمريكا الدبلوماسي المخضرم ديفيد ساترفيلد مبعوثاً لها للتعامل مع أزمتي السودان وإثيوبيا، بعد استقالة جيفري فيلتمان، وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن سفير واشنطن لدى أنقرة المنتهية ولايته، والذي يمتلك خبرة طويلة في منطقة الشرق الأوسط سيكون مبعوثاً خاصاً لأمريكا إلى القرن الأفريقي، وأفاد بلينكن في بيان أن “خبرة السفير ساترفيلد الدبلوماسية الممتدة منذ عقود، وعمله في ظل بعض نزاعات العالم الأكثر صعوبة، ستكون أساسية لجهودنا المتواصلة لدعم السلام والازدهار في القرن الأفريقي، وتحقيق مصالح أمريكا في هذه المنطقة الاستراتيجية”.

إن تقديم جيفري فيلتمان استقالته قبل ثلاثة أشهر من نهاية فترة عمله مقرونة مع الإطراء الزائد على المبعوث الأمريكي الجديد من جهة وزير الخارجية الأمريكي، تشير بشكل واضح إلى فشل فيلتمان في مهمته في كل من إثيوبيا والسودان، حيث فشلت جبهة تحرير تيغراي في إسقاط الحكومة الإثيوبية، كما فشل انقلاب عبد الفتاح البرهان في 2021/10/25 في إيجاد الاستقرار السياسي في السودان، بالرغم من الدور الكبير الذي لعبته أمريكا في ذلك عبر مبعوثها فيلتمان، ما لزم أن يُستبدل به مبعوث أمريكي جديد يقوم بالمهمة، وتحقيق مصالح أمريكا في هذه المنطقة الاستراتيجية.

إن هذا التعيين قد فتح ثقباً في ذاكرة التاريخ، ظهر من خلاله أن المبعوثين الدوليين قد تقمصوا شخصيات المندوبين السامين إبان حقبة الاستعمار القديم، ويقومون بالأعمال نفسها، فقد كان اللورد كرومر في مصر أكبر من مجرد مندوب سامٍ لكي يضمن بقاءها تحت سيطرة الاستعمار البريطاني لأطول فترة ممكنة، متحكماً في ثرواتها وجيشها، وضاغطاً على فلاحيها، وكذا المندوب السامي الفرنسي هنري غورو الذي عمد إلى فصل لبنان عن سوريا، متخذاً منها جسراً ذا رأس نصراني، وبموازاة ذلك عمل هيربرت صامويل، السياسي البريطاني ذو الأصول اليهودية، مندوباً سامياً لبريطانيا في فلسطين، والذي عمل على وضع اللبنة الخبيثة التي قام عليها كيان يهود في قلب البلاد الإسلامية. وهكذا عمل المندوبون المنتشرون في كل أرجاء العالم على تحقيق مصالح بلادهم على حساب الشعوب المستعمرة.

وبقدر من التطوير والتحديث في الأساليب والوسائل الأكثر مكراً وخبثاً ودهاء وأشد فتكاً، استطاع المبعوثون الدوليون إشعال الحروب الأهلية، والقيام بالانقلابات العسكرية، ونهب الثروات، وإثارة النعرات الإثنية والقبلية والجهوية، وغيرها من الأساليب التي تسببت في الفرقة والشتات وتمزيق البلاد. ولا فرق في ذلك بين الفرنسي والبريطاني والروسي والأمريكي، فكما استخدمت بريطانيا عصبة الأمم كوسيلة لتمرير مخططاتها وإعطائها سبقة دولية، فكذا تفننت أمريكا في استخدام الأمم المتحدة للسيطرة وبسط النفوذ، والتحكم في مصير الشعوب، كما قال عنها الكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشوميسكي: “إذا لم تخدم منظمة دولية مصالح أمريكا فهناك سبب ضئيل للسماح لها بالحياة”.

إن المبادرة التي أطلقها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس لا تخرج عن السياق العام للسياسة الأمريكية في السيطرة على الوضع السياسي في السودان، وقد دعمت أمريكا تلك المبادرة بجهود موازية عبر القائم بأعمالها في السودان، الذي التقى بالبرهان، وبنائبة رئيس حزب الأمة القومي السوداني التي قدمت مبادرة حزب الأمة، كما التقى بوفد من لجان المقاومة.

وبالرغم من تباين ردود أفعال الوسط السياسي من مبادرة فولكر من حيث القبول المطلق، والتحفظ، إلى الرفض التام، ولكن لا أحد تحدث عن حقيقتها بوصفها أسلوباً من أساليب السيطرة.

لقد علق البعض آمالهم في تحقيق التوافق بين الفرقاء السودانيين على المبادرة “الأممية في مظهرها والأمريكية في جوهرها” وكأن أمريكا رسول سلام وليست أمريكا التي فهمها على حقيقتها المفكر والمحلل السياسي الأمريكي هنتنغتون من خلال استقرائه للرأي العام العالمي، حيث ذكر في مقال له: “إن صورة أمريكا بالنسبة للعالم كانت توضح شيئاً فشيئاً على أنها القوى العظمى الشريرة والخطر الأوحد الذي يهدد مجتمعاتهم”، وقد أكد رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية روبرت فرفيس كذلك هذا المعنى.

إن النظرة للتدخل الأمريكي بوصفه عملا إيجابياً في القضايا الدولية تعتبر بعيدة عن إدراك حقيقة السياسة الدولية وألاعيبها، وأشد بعداً عن آيات القرآن الحكيم، قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾.

ومما لا شك فيه، أن الكيانات السياسية في السودان مختلفة فيما بينها، ومختلفة مع المكون العسكري، إن لم نقل في كل شيء ففي كثير جداً من الأمور، ولا يتفقون إلا في كونهم مسلمين، فأنى لهم أن يبحثوا بعيداً لحل خلافاتهم وكتاب الله تعالى بين أيديهم؟! قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾، وقد يقول قائل لكننا نختلف أيضا في تفسير كتاب الله، هذا صحيح ولكن حتى هذا الخلاف يكمن حله في القاعدة الشرعية القائلة: (أمر الإمام يرفع الخلاف)، وإن مبايعة الإمام برضا واختيار كفيلة برفع الخلاف، بما يتبناه من أحكام مستنبطة من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ، لذلك فليعمل العاملون.

بقلم: المهندس حسب الله النور – ولاية السودان

جريدة الراية: المسجد الأقصى ومشروع التهويد… ما هو واجب المسلمين؟! ح7


جريدة الراية: المسجد الأقصى ومشروع التهويد… ما هو واجب المسلمين؟! ح7

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

تحدثنا في الحلقة السابقة عن الأعمال الإجرامية التي قام بها الصليبيون الجدد ويهود ضد أهل بيت المقدس وأكنافه، خلال الفترة التي سبقت التهجير الأول لأهل فلسطين سنة 48، والسنوات التي أعقبتها في أوائل الخمسينات من القرن الماضي. وفي هذه الحلقة نكمل الحديث عن الأعمال الإجرامية في الفترة التي تلت تلك السنوات؛ وخاصة العدوان على القدس والمسجد الأقصى المبارك سنة 67.

 • استمرت المؤامرات واحدة تلو الأخرى؛ بعد مرحلة الانتداب البريطاني، وبعد إعلان قيام دولة يهود سنة 1948، وقد تمثلت هذه المؤامرات بأعمال كثيرة قام بها يهود، بالتعاون والتنسيق مع الدول الغربية في هيئة الأمم المتحدة، وبمساعدة حكام المسلمين، وخاصة حكام ما تسمى بدول الطوق. وقد تمثلت هذه الأعمال بالأمور التالية:

1- العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 بمشاركة جيش يهود، حيث قصفت طائرات بريطانيا وفرنسا القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس والإسماعيلية، واحتل كيان يهود سيناء وقطاع غزة، واحتلت القوات المشتركة مناطق في السويس وبورسعيد وقناة السويس. وقد شارك كيان يهود في هذه الحرب؛ وذلك لإشعار دول المنطقة أولا بقوته وقدراته العسكرية في ضرب أي تحرك في المحيط الإسلامي، خاصة أن مصر هي القوة الكبرى في المحيط. وثانيا إدخال كيان يهود في رسم سياسة المنطقة السياسي وتشجيعه على معاكسة أمريكا في سياساتها، وقد برز ذلك في المفاوضات التي أعقبت احتلال القوات المشتركة للسويس.

2- حرب الأيام الستة، أو قل الحرب التحريكية الثانية بعد حرب سنة 48؛ حيث وقعت في الخامس من حزيران إلى العاشر منه لسنة 1967، ونشبت بين كيان يهود، وكل من العراق ومصر وسوريا والأردن، وأدت إلى احتلاله، بل تسليمه سيناء وقطاع غزة، والضفة الغربية، والجولان. ولم يلبث يهود طويلا حتى قاموا بإحراق منبر صلاح الدين الأيوبي مع جزء من المسجد الأقصى بتاريخ 21/8/1969م، على يد اليهودي مايكل دينس روهن، تحت سمع وبصر بل وتشجيع من الصليبيين والصهاينة في العالم أجمع؛ لأنه رمز لتطهير القدس وفلسطين من عباد الصليب.

3- قام اليهود أثناء حرب سنة 67 وبعدها بتهجير قسم كبير من أهل فلسطين إلى الخارج، حيث هجر أكثر من 460 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، حسب معطيات الجامعة العربية، وخاصة الصادرة من صندوق النقد العربي في عام 1991، ونحو 230 ألفا منهم هم من لاجئي عام 1948، كانوا يقطنون المخيمات في الضفة والقطاع إبان احتلال يهود للمناطق الفلسطينية الناجية من الاحتلال، وطرد كيان يهود أكثر من 726,000 فلسطينياً أو أجبرهم على الرحيل، وأصبحوا في عداد المهجرين بعد سنة 67. ويبلغ عدد المهجرين اليوم من فلسطين حسب إحصائية سجلات ما تسمى بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) سنة 2019، حوالي 5.6 مليون. ووفق إحصائية المركز الفلسطيني للإحصاء في منتصف عام 2019، فإن عددهم يبلغ حوالي 13 مليوناً، وهم من الذين هُجر آباؤهم وأمهاتهم من فلسطين قهرا وقسرا. وهؤلاء المهجرون ما زالوا يعيشون في ظروف قاسية وأحوال صعبة؛ رغم مرور أكثر من سبعين عاما على تهجيرهم، وتشتيتهم في الأرض.

4- أخذ الغرب الكافر بالتعاون مع قادة المسلمين في الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي بوضع الخطط الجديدة لجعل كيان يهود جسما مقبولا في بلاد المسلمين؛ وذلك عبر قرارات دولية عدة وفي الجامعة العربية. وأشهر القرارات الدولية هو قرار 242 سنة 1967 الصادر عن الأمم المتحدة؛ والذي يملّك اليهود معظم فلسطين، ويساند القرار الذي صدر سنة 1947 والمسمى بقرار التقسيم 181. أما الجامعة العربية فقد اتخذت قرارا يتوافق مع القرارات الصليبية الصهيونية بخصوص فلسطين؛ وهو قرار قمة بيروت سنة 2002 الذي يقر بالاعتراف بكيان يهود على أرض فلسطين المغتصبة سنة 48، وذلك دون أن يقدم يهود أي ثمن مقابل ذلك!

5- لقد قام الغرب بفصل قضية فلسطين عن بعدها الإسلامي، ووضعها في إطار قومي بدايةً ثم إقليمي. ففي بداية الصراع مع الصهيونية والصليبية، جعل الغرب هذا الصراع صراعا قوميا عن طريق حكام المسلمين. أي جعله محصورا في الجامعة العربية في قضية عربية، وفصلها عن بعدها الديني الذي يعتبرها عقيدة في حياة الأمة. وبعد هذا الفصل القبيح المسخ جعلها قضية إقليمية، تختص بأهل فلسطين؛ لحصر حالة العداء مع أهل فلسطين فقط كمقدمة لتخلي المسلمين عنها نهائيا. وفي هذا الإطار ووفق هذا المخطط الإجرامي أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964؛ بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس نتيجة لقرار مؤتمر القمة العربي 1964 في القاهرة لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية، وهي منظمة معترف بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.

6- قام يهود بمساعدة دول الطوق والدول الغربية بإنهاء كل أشكال العمل العسكري؛ وذلك بتوقيع معاهدات سلام مع كيان يهود؛ ابتدأت باتفاق كامب ديفيد سنة 1978 بين مصر وكيان يهود. ثم اتفاق مدريد سنة 1990 ثم اتفاق أوسلو سنة 1993، ثم اتفاق وادي عربة 1994م. وأصبحت قضية فلسطين بعد هذه الاتفاقات والمعاهدات ضمن إطار الاتفاقات الدولية، وضمن مشاريع المفاوضات، وألغي المفهوم النضالي من قاموس الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها.

7- لقد رسم الغرب مخططا جديدا سموه الشرق الأوسط الجديد – أو الكبير – وهو الذي دعت إليه وزيرة خارجية أمريكا كوندليزا رايس سنة 2006 في مؤتمر صحفي من تل أبيب. وأكده وزير خارجية أمريكا بومبيو في مؤتمر صحفي في جامعة القاهرة سنة 2019. وكان من أبرز الأمور في هذا المخطط الجديد بخصوص كيان يهود: ما يجري اليوم من مقدمات من الهرولة والتطبيع مع بعض دول المنطقة منها دول الخليج. وإيجاد اتفاقات عسكرية وتجارية مع تركيا وبعض الدول الأخرى. فقد جاء في نص خطاب بومبيو: “تعمل إدارة ترامب أيضاً على تأسيس التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط؛ لمواجهة التهديدات الأكثر خطورة في المنطقة، وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة. نحن نشهد أيضاً تغيراً ملحوظاً، فقد بدأت الروابط الجديدة تتجذر بشكل لم يكن مجرّد تخيله ممكنا حتى يومنا هذا. من كان يمكن أن يصدق قبل بضع سنوات أن رئيس الوزراء (الإسرائيلي) سيزور مسقط؟ أو أن روابط جديدة ستنشأ بين المملكة العربية السعودية والعراق؟ أو أن بابا روما الكاثوليكي سيزور هذه المدينة للقاء الأئمة المسلمين ورئيس الكنيسة القبطية؟”.

وما زال موضوع الهرولة والتطبيع سائرا ومتجددا؛ وذلك كمقدمة لما يأتي بعده من إيجاد (الشرق الأوسط الكبير). وهذا المخطط يهدف إلى صياغة المنطقة من جديد؛ وفق معطيات سياسية جديدة، تقوم أولا على دمج كيان يهود في منظومة المنطقة السياسية والاقتصادية والعسكرية. أما السياسية فإيجاد منظمة شرق أوسطية بدل الجامعة العربية، وبدل منظمة المؤتمر الإسلامي؛ يكون كيان يهود جزءاً منها، وتحت إشراف دولي عن طريق الأمم المتحدة. وأما الاقتصادية فإيجاد ما يسمى (بالسوق الشرق أوسطية) المفتوحة، والتي دعت لها كونداليزا رايس في مقترحاتها سنة 2006. وأما العسكرية فهو ما دعا إليه بومبيو في جامعة القاهرة من إيجاد قوة عسكرية مشتركة من دول الشرق الأوسط والخليج.

يتبع…

بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس

جريدة الراية: متفرقات الراية – العدد 375


جريدة الراية: متفرقات الراية العدد 375

23 من جمادى الثانية 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 26 كانون الثاني/يناير 2022مـ

إن حزب التحرير/ ولاية سوريا إذ يدعو أهلنا في الشام للمسارعة بالعمل مع الحزب لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشر بها رسول الله ﷺ؛ فلأن إقامتها من أوجب الواجبات؛ فبإقامتها تطبق أحكام الإسلام ويتحرر المسلمون من نير الاستعمار بكافة أشكاله فيتخلصوا من عذاباتهم وشقائهم وينالوا الرضا في الدارين، ويعودوا كما كانوا خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

===

النظام التونسي حربٌ على الإسلام

قال بيان صحفي أصدره الثلاثاء 18 كانون الثاني/يناير 2022م، المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس: لقد بلغ حكام تونس في استهتارهم بشعائر الإسلام وجُرْأَتِهِمْ على دين الله مبلغاً عظيماً، فبعد إقصائهم الإسلام عن الحكم، وتَغْيِيبِهِمْ شرع الله عن الدولة والمجتمع، ومحاربتهم الإسلام تحت مسمى مقاومة الإرهاب، ها هم اليوم ينقضون ما تبقى من شعائر الإسلام، بتعليق صلاة الجمعة بدعوى الحدِّ من عَدْوى وباء كورونا زورا وبهتانا، فقرار وزارة الشؤون الدينية، يوم الخميس 13 كانون الثاني/يناير بتعليق صلاة الجمعة يومي 14 و21 كانون الثاني/يناير الجاري هو قرار سياسي يتماهى مع قرار الحكومة يوم 12 من الشهر نفسه، بمنع التجمعات لقطع الطريق على خصوم الرئيس الذين دعوا للتظاهر يوم 14 كانون الثاني/يناير. لقد أثبتت وزارة الشؤون الدينية أنها مجرد ألعوبة بيد السياسيين، تفتي على هوى الحكام وإرضاء لرغباتهم ولو كان في ذلك منعٌ لشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، فتعليق صلاة الجمعة من هؤلاء الظلمة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لا علاقة له بوباء كورونا ولا بسلامة الناس وصحتهم، وكان الأحرى بالحكومة أن تعالج اكتظاظ الناس في وسائل النقل والأسواق وأمام الإدارات وغيرها بما يخفف عنهم المعاناة ويوفر لهم السلامة، أما إقحام صلاة الجمعة في الصراعات السياسية، فستبقى وصمة عار في جبين حكام تونس الذين لم يتوانوا عن نقض ما تبقى من عرى الإسلام.

وفي سياق آخر أكدت (جريدة التحرير في افتتاحية عددها 375)، وهي جريدة سياسية يصدرها حزب التحرير في ولاية تونس: أن الثورات الحقيقية لا تحتاج إلى زمن طويل، والقائل بأنّ طبيعة الثورات تحتاج عقودا هو كاذب مخادع أو هو مخدوع مضلّل، وفي أحسن أحواله مثبط للهمم يضرب معنويات الثائرين في مقتل. وتساءلت جريدة التحرير: ألسنا مسلمين؟ ورسولنا الكريم ﷺ قدوتنا؟ وهو الذي أقام دولة أسقط بها النظام السائد في الجزيرة العربية، وأرسى أساسا فكريا جديدا قوامه ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ﴾، فكم تطلب الأمر من وقت؟ وأضافت التحرير: إن هي إلا بضع سنوات حتى صارت هي الدولة الأولى في العالم واستطاعت في سنوات قليلة أن تسقط أعظم إمبراطوريتين في حينه وهما إمبراطوريتا الفرس والروم. أمّا عن موازين القوى، فالمسألة تناسبية فقد كانت في زمان الرسول عليه وآله الصلاة والسلام الإمبراطوريات كبرى جيوشها ضخمة وكانت كل القبائل العربية خاضعة لها لا تستطيع بل لا يفكرون أصلا في منافستها أو الاستقلال عنها فضلا عن محاربتها في ميادين القتال، وأنى لهم ذلك؟ واليوم نحن نعيش بين قوى استعمارية جيوشها ضخمة وأسلحتها فتاكة، ولكن فات هؤلاء العاجزين المنهزمين أنّ هاته القوى الاستعمارية لم تستطع بعد سنوات الاستعمار الطويلة أن تهزم الشعوب الإسلامية. وخلصت افتتاحية جريدة التحرير إلى القول: إنّ الثورة لن تحقق أهدافها حتى يتبع الثائرون خطا رسول الله ﷺ، وهي خُطا بشرية بإمكانيات بشرية عادية أو أقل في خضم عالم تملؤه قوى الشر، وأراد الله لها أن تكون بشرية حتى لا يقول قائل ذلك خاص بالرسل والأنبياء.

===

قضية فلسطين لا تعني حكام المسلمين لا من قريب ولا من بعيد

ما بين وصول وفد من كيان يهود إلى العاصمة السودانية الخرطوم، ووصول وفد من الضباط المصريين إلى كيان يهود. وقبل ذلك كانت طائرة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الخاصة قد حطّت في مطار بن غوريون، قال تعليق نشره المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين: يظهر حجم التعاون الأمني بين كيان يهود والأنظمة المطبعة كيف يتعاون عملاء أمريكا في المنطقة. فقد جعل الحكام العملاء من كيان يهود قبلة لهم، طلباً في مساعدة تعينهم على قمع الشعوب وإجهاض ثوراتها، مقابل نفوذ وكراسي معوجة لخدمة الغرب وتنفيذ سياساته الاستعمارية السالبة للسيادة والناهبة للثروات! وأضاف التعليق: إن هذه الأخبار المتتابعة تظهر أن أسمى غايات الحكام هي المحافظة على عروشهم وأنظمتهم القمعية، وأن قضية فلسطين لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، بل إنها باتت ورقة للمساومة واستجلاب الدعم الأمني والعسكري من كيان يهود! وخلص التعليق إلى القول: إن قضية فلسطين، كبقية قضايا الأمة، قضية ضائعة في ظل حكام التطبيع والعمالة لأمريكا والغرب، وإن الحل للشعوب المسلمة ولقضية فلسطين لا يكون إلا بإسقاط تلك الأنظمة وتسليم الحكم فيها لقيادة مخلصة واعية تقيم دولة الخلافة الراشدة التي تطبق الإسلام وتقضي على الغرب ونفوذه وتحشد الأمة لاقتلاع كيان يهود من جذوره وتحرير الأرض المباركة من شروره.

===

حزب التحرير/ ولاية تركيا ينظم مؤتمرا اقتصاديا “الحلول الإسلامية للأزمة الاقتصادية في عشر نقاط”

نظم حزب التحرير في ولاية تركيا في مركز ميرينوس الثقافي بمدينة بورصة الأحد، 13 جمادى الآخرة 1443هـ الموافق 16 كانون الثاني/يناير 2022م، مؤتمراً اقتصادياً بعنوان “الحلول الإسلامية للأزمة الاقتصادية في عشر نقاط!” حاضر فيه كل من الإخوة؛ الأستاذ سردار يلماز، والأستاذ موسى باي أوغلو، والأستاذ عبد الله إمام أوغلو، حيث بينوا الحل الإسلامي الصحيح للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا.

===

مسلمو الروهينجا بين إجرام البوذيين وظلم الشيخة حسينة

عقب إغلاق حكومة حسينة المدارس الميدانية والمنزلية لأطفال لاجئي مسلمي الروهينجا داخل مخيماتهم في بنغلادش، وهدم أكثر من 3000 متجر يملكها مسلمون من الروهينجا في مخيم في منطقة كوكس بازار، أكد بيان صحفي أصدره المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية بنغلادش: أن النظام البنغالي المجرم لن يسمح لمسلمي الروهينجا بالاعتماد على أنفسهم، بل يسعى إلى إجبارهم على الاقتصار على اعتمادهم على المساعدات الأجنبية للبقاء على قيد الحياة، وأضاف البيان: لقد جلبت أزمة الروهينجا للحكومة فوائد مالية ضخمة، من حيث المساعدات والمنح الدولية، وبالنسبة إلى الحكام العلمانيين الرأسماليين، فإن المزيد من الأزمات يعني المزيد من المال، وإنّ إدانة القوى الغربية لأزمة الروهينجا الإنسانية لا معنى لها، فهم يستغلون حاجة اللاجئين المسلمين لتحقيق مصالحهم، وبالنسبة للدول الأخرى، فهي تسمح ضمنياً لهذه الأزمة بأن تستمر لأنها توفّر ذريعة للتدخل في شؤونها، وإلا كيف يمكن للنظام العميل للغرب أن يجرؤ على تدمير سبل العيش والفرص التعليمية لمسلمي الروهينجا فور زيارة المبعوث الأممي توم أندروز الذي طلب من حكومة حسينة ضمان فرص الأمن وسبل العيش خلال رحلته؟! وخاطب البيان المسلمين في بنغلادش: لا يمكننا أبداً وقف معاناة مسلمي الروهينجا ما لم نتخلص من نظام الحكم العلماني ووسطه السياسي، فاعملوا جاهدين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فلا حل سواها لإنقاذ البشرية من طغيان العلمانية.

===

منظمات ما يسمى المجتمع المدني وأهدافها الخبيثة

وجّهت أكثر من 15 منظمة مما يسمى بمنظمات المجتمع المدني السوري، رسالة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، تشتكي استمرار نظام أسد في ارتكاب الفظائع، وأضاف الموقّعون على الرسالة: “ولا يزال السوريون عموماً يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان بلا نهاية تلوح في الأفق”. واقترحت الرسالة خطوات يجب على إدارة بايدن اتخاذها لإظهار أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحماية حقوق الإنسان في سوريا، أهمها تعيين مبعوث إلى سوريا مكلف بمتابعة حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. من جانبها قالت الأستاذة راضية عبد الله في تعليق كتبته الجمعة لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير ما مفاده: لم يكن من أهداف تلك المنظمات منذ تأسيسها، الوقوف إلى جانب المسلمين المستضعفين وبخاصة المرأة، وإنما قامت تلك المنظمات لدعم هيمنة الغرب على البلاد الإسلامية، والمطالبة بإيجاد الحلول السياسية التي تتوافق مع قرارات مجلس الأمن، فهي من أدوات الغرب في اختراق المجتمعات وفي الضغط على الحكومات، وفي تحريك الشعوب نحو الغرب وسياساته المدمرة في معركة الأفكار بينه وبين الأمة الإسلامية

هناك تلازم طردي في تنشيط عمل تلك المنظمات، فكلما زاد تمسك الناس بدينهم وزادت الدعوات له من الغيورين على الدين الإسلامي، زاد نشاط تلك المؤسسات وبشراسة للوقوف في وجه تلك الصحوة الإسلامية، وما هؤلاء إلا قلة تابعة منتفعة هدفها تحريف الدين وتبديله ووضعه على المقاس الغربي ليسهل على الكافر المستعمر وعصابات الدول الكبرى محاولة الوقوف في طريق عمل المخلصين ومؤيديهم للوصول إلى الهدف المنشود الذي يقودهم إليه القائد الرائد الذي لا يكذب أهله؛ حزب التحرير، ألا وهو الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي ستغلق الأبواب في وجه كل تلك المنظمات النفعية الحاقدة والدول الداعمة لها ليكون مصيرهم في هاوية سحيقة.

===

مظاهرة رافضة لسياسة هيئة تحرير الشام ومطالبات بالإفراج عن المعتقلين في سجونها

شهدت قرية دير حسان في ريف إدلب الشمالي، الجمعة، وقفة احتجاجية لعشرات من المتظاهرين، ضد الاعتقالات التعسفية التي تمارسها هيئة تحرير الشام، ورفع المتظاهرون خلالها لافتات تحمل شعارات من مثل (نهج الطغاة اعتقال الثائرين والتضييق عليهم)، و(أطلقوا سراح معتقلي الثورة)، و(طالبناكم بفتح الجبهات ففتحتم السجون)، واصفين سياسة هيئة تحرير الشام بالتعسفية والقمعية وتكميم الأفواه. وانطلقت المظاهرة من أمام الجامع الكبير في القرية، وكانت استجابة لدعوة “مجلس شورى تجمع العوائل في قرية دير حسان”. وأكد المتظاهرون مطلبهم بالإفراج عن عدة معتقلين، بعد أن اعتقلتهم أمنياتها على فترات متقطعة، حيث كانت قد اعتقلت أحد أبناء القرية الشاب أحمد الضلع، عقب استطلاع لرأي الناس حول الواقع المعيشي أجراه في مدينة الدانا، في تشرين الثاني 2021.

===

سياسة الأمن القومي تُخضع باكستان لسيطرة الغرب وترهن مصيرها الاقتصادي والسياسي

حذر المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية باكستان عبر بيان صحفي، من سياسة الأمن القومي لباكستان، التي كشف عنها في 14 كانون الثاني. وقال: إنّها تربط أمن واقتصاد باكستان بالنظام الدولي، الذي تحدده القوانين والمؤسسات الغربية. وأضاف البيان: إن برنامج الأمن القومي هذا، يعمّق من جذور الاستعمار الاقتصادي. ويؤدي إلى تفاقم إخضاع باكستان لمصالح القوى الاستعمارية الكبرى، الصين وأمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا. ومن الناحية العملية، فإن تعميق اندماج باكستان في النظام العالمي الاستعماري يفتح المجال للحصول على القروض التي تفاقم من ديون باكستان الهائلة القائمة على الربا، وفق شروط صندوق النقد الدولي المدمرة والتي تغرقنا في التضخم والفقر والبطالة، بما يضمن الانهيار المدوي. وخاطب البيان المسلمين في باكستان ومجتمعهم الاستراتيجي وقواتهم المسلحة على وجه الخصوص بالقول: يجب عليكم رفض الخطة التي تهدف إلى إهدار مواردنا وقدراتنا الهائلة لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة. واعملوا على تأمين أخذ الأمة الإسلامية استقلالها عن القوى الاستعمارية الكبرى، من خلال إقامة الخلافة على منهاج النبوة. فاعملوا معنا لوقف التبعية للكفار ومؤسساتهم وشرائعهم، من خلال نصرة دين الله ودولة الخلافة، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

===

أهمية القيادة السياسية في تحقيق الانتصارات العسكرية

لما قصد الروم أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه بحمص، كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، فكتب الخليفة إلى أمير الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (اندب الناس مع القعقاع بن عمرو وسرحهم من يومهم، فإن أبا عبيدة قد أُحِيطَ به)، وكتب إليه‏ أيضاً أن يجهز جيشاً إلى أهل الجزيرة الفراتية؛ الذين أعانوا الروم على حصار أبي عبيدة، ويكون أمير الجيوش عِيَاض بن غَنْم‏، فكان على يد جيوشه فتح الجزيرة وتحييد مقاتلة الجزيرة مع جيش الروم.

وخرج خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رأس جيش، وعسكر في الجابية الواقعة في سهل حوران.

ولما بلغ أهل الجزيرة الذين خرجوا مع الروم على أهل حمص خبرُ الجيوش الإسلامية، تفرقوا إلى بلادهم، فلما انكشف الروم من مقاتلة الجزيرة، خرج أبو عبيدة بن الجراح لقتالهم ففتح الله عليه قبل أن يصله جيش القعقاع بن عمرو بثلاثة أيام.

وهكذا، تبرز أهمية القيادة السياسية المتمثلة بخليفة المسلمين عمر بن الخطاب، الذي قاد المسلمين إلى النصر على الروم، فتبعية القيادة العسكرية للقيادة السياسية هي بوابة النصر المؤزر بإذن الله.

واللافت للنظر ما حصل في ثورة الشام من ضياع للجهود التي كادت أن تقضي على رأس نظام الإجرام، تبعها ضياع لعظيم التضحيات التي قدمها أهل ثورة الشام، وليس هذا فقط، فهي فوق أنها لم تحقق أهدافها تراجعت فخسرت معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرتها؛ بسبب تفريطها بقرارها وعدم اتخاذها قيادة سياسية واعية صاحبة مشروع رباني تحمله وهي واثقة بجميل وعد الله تعالى في نصرة عباده المؤمنين الذين ينصرون الله حق النصر. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

===

المصدر: جريدة الراية

أمريكا تستبدل حربها العسكرية في أفغانستان بحرب سياسية واقتصادية


أمريكا تستبدل حربها العسكرية في أفغانستان بحرب سياسية واقتصادية

مجلة الوعي: العدد 425 السنة السادسة والثلاثون، جمادى الثاني 1443هـ الموافق كانون الثاني 2022م

انسحبت أمريكا من أفغانستان؛ ولكنها لم تتخلَّ عن إرادة استعمارها لها، بل هي في صدد فرض نفوذها عليها بشكل يتناسب مع فكرة استعمال القوة الناعمة، بعد تخليها عن استعمال القوة الغليظة والاحتلال المباشر الذي رافق عهد بوش الابن وفريقه في الحكم المحافظين الجدد، والذي كان أحد عناوين استراتيجية قيادة العالم بنظام أحادي القطبية. هذا النظام أُعلن التخلي عنه زمن أوباما بسبب فشله؛ حيث فشلت أمريكا في فرض رجالاتها ونفوذها، وفشلت في تغيير النظام، وفشلت في فرض الديمقراطية، وفشلت في التركُّز والاستقرار، وتكبَّدت الخسائر البشرية والمالية الضخمة، وتزعزع موقعها الدولي باعتراف مسؤوليها قبل غيرهم. وما ترديد بايدن لمقولة: «إن أفغانستان هي مقبرة الإمبراطوريات» إلا تعبير صادق عن هذا الفشل المتكرر. ويذكر هنا أن أمريكا كانت تريد أن تنسحب من قبل من أفغانستان؛ ولكنها كانت تتردد في كل مرة لأنه سيكون مؤلـمًا إلى أن أخذت قرارها المتأخر مع بايدن. وفي الواقع، إنه لم يكن انسحابًا مبرمجًا يحفظ كرامة جنودها وكرامة موقعها الدولي، بل كان هروبًا مؤلـمًا ومذلًّا ومؤثرًا على مكانتها، وزعزع الثقة الدولية فيها أكثر، وسقطت معه هيبة أمريكا مع سقوط من تعاونوا معها من الطائرات وهم يحاولون الهروب، وترك كل الأسلحة وراءها.

بيد أن أمريكا، إن لم تستطع أن تنجح في سياسة التفرد في حكم العالم هذه؛ إلا أن ذلك لا يعني أنها تخلَّت عن كونها دولة أولى في الاستعمار، وتعمل جاهدة على الحفاظ على موقعها الدولي، بل يعني أنها في صدد تبديل أسلوبها في الاستعمار تجاه أفغانستان، لا أنها تلغيه، من هنا يجب النظر إلى أن انسحابها من أفغانستان إنما هو تبديل أسلوب في استعمار هذا البلد؛ ويؤكد ذلك أن أفغانستان تمتاز بموقع جغرافي يقع في صلب الصراع الدولي في أوراسيا الذي تشتد فيه المنافسة مع كل من الصين وروسيا، وكذلك تزخر أفغانستان بثروات غنية يسيل لها لعاب الدول الطامعة، ثم إن أمريكا بترك هذه المنطقة فإنما تتركها لغيرها من الدول المنافسة لها، وهذا يضرها ويضر مصالحها وموقعها الدولي لمصلحة خصومها في الصراع الدولي وخاصة الصين ومن ثم روسيا… فما الذي تخطط له أمريكا من جديد من أجل أخذ أفغانستان حيث فشلت من قبل.

أفغانستان مطمع للدول الاستعمارية والمتنافسة وبالأخص أمريكا

تذخر أفغانستان بثروات تجعلها مطمع الدول الاستعمارية؛ إذ تقدر بتريليونات الدولارات، تتمثل بالمعادن المختلفة ذات القيمة العالية جدًا من نفط وغاز، وأخرى منجمية كالذهب والنحاس والحديد والكوبالت والليثيوم، وأخرى استراتيجية نادرة الوجود مثل اليورانيوم. فالنحاس وحده تقدر كميته بـ 60 مليون طن من النحاس، وتقدر قميتها بأكثر من 535 مليار دولار. إلى جانب ذلك، خام الحديد حيث تقدر كميته بـ 2.2 مليار طن، ووفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تبلغ قيمته حوالى 420 مليار دولار. أما الذهب فإن لدى أفغانستان خمسة مناجم للذهب وتقدر قيمته بـ 350 مليار دولار، وهناك 400 نوع من الرخام واحتياطيات من البريليوم تقدر بقيمة 88 مليار دولار، وتجني 160 مليون دولار من بيع الأحجار الكريمة سنويًا، فضلًا 1.4 مليون طن من معادن الأرض النادرة واحتياطيات ليثيوم الذي يستخدم لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية. وإضافة إلى هذه الثروة فإنه لدى أفغانستان 1.6 مليار برميل من النفط الخام تقدر قيمتها بـ100 مليار دولار، فضلًا عن 16 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي إلى جانب 500 مليون برميل من الغاز الطبيعي. ومع هذا، فإن أفغانستان تحتضن الكثير من «اللازورد» وهو حجر كريم يمكن أن يصل سعر القيراط منه إلى 150 دولارًا… نحن هنا لا نريد أن نعطي إحصائية دقيقة عن ثروات أفغانستان، بل فقط نريد الإشارة إلى أن مثل هذه الثروات لا يمكن أن تغضَّ الدول الاستعمارية الطرف عنها؛ ولكن هناك مشكلة تفرض نفسها وتمنعها من وضع اليد عليها، وهو الفشل المتكرر في احتلالها على مدار التاريخ، وهو الآن ماثل في الفشل الأمريكي. وكما قلنا لا يمكن لأمريكا أن تنسحب وتترك كل هذه الثروات لغيرها وخاصة أن من بين هذه الثروات ما هي ثروات استرتيجية لها تأثيرها في تعزيز الموقف الدولي وامتلاك السلاح الاستراتيجي، وهي من الثروات التي تسعى الدول الاستعمارية إلى امتلاكها وحرمان الدول المنافسة لها. فهل يعقل بعد هذا العرض أن تفكر أمريكا مجرد تفكير بالانسحاب من هذا البلد وتركه لغيرها؟!

الخطوط العريضة لخطة أمريكا في احتواء أفغانستان:

إذًا، نحن اليوم أمام خطة أمريكية أخرى تعود بها إلى أفغانستان من غير أبوابها، وهي خطة مكشوفة، معزوفتها مشروخة، وهذه الخطة تعتمد على استعمال أساليب القوة الناعمة التي من شأنها تحقيق احتواء الأنظمة وجعلها تابعة لسياستها، ومن هذه الأساليب:

– اصطناع زعامات سياسية محلية تابعة لها وشراء ذمتها ومدها بالقوة والتأييد المادي والإعلامي…

– العمل على شراء ذمم بعض أصحاب القوة، إنْ في الجيش أو في القبائل؛ ليكونوا إلى جانب عملائهم السياسيين ولتكتمل عملية التغيير بهما…

– إيجاد المشاكل المعيشية الخانقة التي يعجز الحكام الجدد المنوي تغييرهم عن حلها، وفسح المجال أمام عملائهم المنافسين للاستفادة من هذا العجز وليكونوا هم البديل عنهم عند الناس…

– إيجاد الاضطرابات الشعبية والمظاهرات المطلبية التي يتسبب بها العجز عن معالجة المشاكل الاقتصادية واستخدام وسائل الإعلام لإيجاد النقمة والفوضى، والضغط باتجاه استعانة أهل الحكم بالخارج والاستدانة منه بالربا المحرم الذي من شأنه أن يرهن إرادتهم ويحول ولاءهم، أو القيام بتغييرهم إن لم ينجحوا بذلك…

– اللجوء إلى المؤسسات الاقتصادية الدولية من مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني الدولية التي هي من أهم أسلحة الغرب في استعمار الشعوب اقتصاديًا والتي يحقق بها انتصاره على الشعوب والدول وجعلها تحت رحمة قروضه الربوية المحرمة، التي تزيدهم إفقارًا وتجعلهم يرتمون ارتماء كاملًا بين أيديهم…

– العمل على استمالة قبائل وإيجاد فصائل مسلحة من أهل البلد ضد أهل الحكم  ومدّهم بالسلاح والإعلام، وجعل قضيتهم أممية تحتاج إلى مبعوثين دوليين تكون أجندتهم تابعة لإحدى الدول الكبرى؛ وليتوصلوا من خلالهم إلى تسويات يفرضون فيها أنظمة حكم ودساتير ويغرسون حكام عملاء لهم…

– العمل على إثارة النعرات المذهبية والطائفية والعرقية وبعث فكرة الأقليات، والعمل على توظيفها من أجل فرض دستور علماني وضعي للبلاد، ويسير بتشريعاته وفق أفكار الكفر الديمقراطية وفرض الحكم المدني…

– العمل على إيجاد ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني التي تموِّلها وتدافع عنها إذا ما تعرَّض أفرادها للأذى أو الاعتقال. والتي تظهر بمظاهر الإنسانية والمطالبة بالحقوق والسلام وحقوق المرأة والصحفيين والحريات… وتقوم بتنظيم نشاطات مشبوهة وتقوم وسائل الإعلام بالدفاع عنها وتسويق أفكارها والتهجم على الحكم الذي يواجهها…

– ولعل من أخطر أسلحة استعمال القوة الناعمة في استعمار الغرب للشعوب والدول هو استخدام عملائهم من حكام المنطقة كأدوات مخفية لهم؛ حيث يتدخل هؤلاء بحجة تقديم الإعانات الإغاثية للناس المنكوبة، ونجدة وإمداد الفصائل المسلحة بالسلاح والمال، وتأمين مخيمات النزوح أو اللجوء إذا كانت مجاورة لها، والتي تكون بأمس الحاجة إليها… بهدف رهن إرادتها وتوجيه بوصلتها لمصلحة الدولة التي تتبع لها، وبالتالي التدخل في الصراعات، ومن ثم وضع الشروط والخطوط الحمر التي تكون من ضمن أجندة خفية تعمل بحسبها، ولكسب القيادات المستقبلية في البلد محور الصراع لجعلها عميلة لها. وهذا الورقة هي في غاية الخطورة، وتكاد تكون أكثر الأوراق الرابحة التي يعوِّل عليها الغرب لكسب الدول إلى منظومة عمالته. فالدول الكبرى تدير هذه اللعبة القذرة من أولها إلى آخرها لمصلحتها، وتمسك بخيوط اللعبة كلها، والتي تصب كل المجاري في مجاريرها.

ولو أخذنا أمثلة على ذلك من كل ما قلناه مما يحدث في أفغانستان لوجدنا أن كل ذلك يحدث تقريبًا الآن، فقد تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا نذكرها على سبيل المثال لا الحصر:

* أمريكا تجمد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني، والبالغة (9.4) مليار دولار، والتي استولت عليها الإدارة بعد سيطرة طالبان على البلاد هذا الصيف. وتشدد القيود الدولية المفروضة على النظام المصرفي في أفغانستان ما يؤدي إلى اقتصاد منهار… وأن إدارة بايدن لن تفرج عن الأموال حتى تشكل طالبان حكومة “شاملة»، وتضمن حقوق الأقليات والنساء والفتيات – بما في ذلك التعليم الكامل للإناث. [ألا يعتبر ما ذكر سلاحًا تستعمله أمريكا من أجل جعل الحكم يرتمي في حضن الاستسلام]

* الضغوط المالية الأمريكية على أفغانستان أدت إلى فقدان العملة الأفغانية ما يقرب من 12% من قيمتها مقابل الدولار .. وحذرت الأمم المتحدة من أن النظام المصرفي في البلاد معرض لخطر الفشل «الهائل» الذي قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الأفغاني بنسبة 30%…. وقد ذكر أنه مع استمرار عزل أفغانستان وطالبان، انحدر اقتصاد البلاد ونظامها المالي بشكل متزايد إلى شفا الانهيار في الأسابيع الأخيرة، وتفاقم بسبب الجفاف المدمر والوباء… [وهذا خبر آخر يهدف إلى الضغط على البلد أو الاستسلام]

* أقامت السعودية جسرًا بريًّا وآخر جويًّا لدعم الشعب الأفغاني… وقد ثمَّن رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني، السيناتور محمد صادق سنجراني، جهود السعودية تجاه الشعب الأفغاني مؤكدًا أن المملكة هي «أول من مدّ يد العون والمساعدة لهم، كما بادرت المملكة بعقد الدورة الاستثنائية السابعة عشرة لمجلس وزراء الدول الأعضاء في (منظمة التعاون الإسلامي) بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد لبحث آليات دعم الشعب الأفغاني»، [وهذا يشير إلى الدول الداعمة الإغاثية التي يوكل إليها عادة مهمة الدعم الذي يؤدي إلى رهن الإرادة وهو ما بات يعبر عنه بالدعم المسموم. أما الدول الداعمة المذكورة هنا فهي: باكستان والسعودية ومعها دول الخليج والممثلة بمجلس التعاون الإسلامي، هذا هو التدخل المخفي الملغوم والذي يسير بحسب أجندة الدول الكبرى، ولعل من أخطر الدول الداعمة في الشأن الأفغاني هي تركيا وقطر. ومواقف تركيا في سوريا هي مخزية ومجرمة، ودورها في سوريا كان من أقذر الأدوار.

* توقيع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني اتفاقية تتولى قطر بموجبها دور «القوة الحامية» لمصالح الولايات المتحدة في أفغانستان. وصرح بلينكين: «ستؤسس قطر قسمًا لرعاية المصالح الأمريكية في سفارتها في أفغانستان لتقديم خدمات قنصلية معينة ومراقبة الوضع ومتابعة أمن المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في أفغانستان». وأضاف: «هذا العام، أصبحت صداقتنا أكثر قربًا عندما عملت قطر بشكل وثيق مع الولايات المتحدة». وهذا يذكرنا بخيانة قطر لثورة الشام هي والسعودية وتركيا وإيران والتخلي عنها وكان ذلك سببًا في إنقاذ المجرم السفاح من الهزيمة الماحقة. وهؤلاء يجب الحذر منهم كل الحذر فهؤلاء يمكن أن يخدعوا حكام أفغانستان أكثر من غيرهم لأنهم يدَّعون المساعدة الإنسانية والأخوية…

*وفيما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني، ورد خبر مثلًا أنه «بينما تقضم حركة طالبان مزيدًا من الـمُدن القريبة من العاصمة كابل، طالبت منظمتا «إنتراكشن» والتحالف من أجل بناء السلام، إدارة جو بايدن بتوفير وتسريع إتاحة سبل الهجرة لجميع الأفغان وعائلاتهم الذين عملوا ضمن منظمات المجتمع المدني الأفغاني». وهذا الخبر يشير بوضوح إلى العلاقة بين العضوية بين الولايات المتحدة وهذه المنظمات التي تعتبر من أدواتها الاستعمارية.

* وتحت عنوان: «بادرة تضامن»… متحف ألماني يعتزم استقبال فنانات وفنانين من أفغانستان ورد هذا الخبر: «يعتزم متحف «مركز الفن والإعلام» الألماني استقبال فنانين وفنانات يتعرضون للاضطهاد على يد حركة طالبان. وجاءت المبادرة بعد رسالة لفنانين وفنانات أفغان تطالب المجتمع الدولي وزعماء العالم بضرورة «الحفاظ على الثقافة الأفغانية القيمة والروح الأفغانية للأجيال القادمة”.

* استخدام الإعلام لتشويه سمعة الحكم في أفغانستان صراحة والإسلام ضمنًا؛ وذلك من خلال عناوين حاقدة، من مثل: «أفغانستان التي لم تعد.. بلد مدمر على موعد مع «العصر الحجري»» «وجهة نظر: على الحكومة الألمانية مساعدة الصحفيين في أفغانستان» «هل تعود المرأة الأفغانية حبيسة منزلها؟» «رغم قمع طالبان.. المرأة الأفغانية مصرة على الدفاع عن حقوقها» «أفغانستان: نظام العدالة يخذل المرأة» «كيف تسمحون بزواج الفتيات الصغيرات؟».

هذه هي أسلحة أمريكا في استعمار أفغانستان من جديد عن طريق القوة الناعمة، وهي لا تقل خطرًا عن استعمال القوة الغليظة، وهذه يجب مواجهتها وعدم الانجرار إليها. والتغلب عليها لا يمكن أن يتحقق إلا بالالتزام بالإسلام: عقيدة وأنظمة حياة وطريقة عيش إسلامية، يكون فيها الولاء محصورًا بالله ورسوله ودينه والبراء من الكفر من كل أشكاله… وبأبسط تعبير، كل ذلك لا يتحقق إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي وحدها تستطيع أن تجمع الأمة المتعطشة لحكم الإسلام، وتجمع معهم إمكاناتهم ومقدرات بلادهم الغنية غنًى فوق الوصف، وتعيد سيرة الخلفاء الراشدين، الخلافة وحدها هي المشروع الذي لن يستطيع أحد أن يحد انتشاره، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يواجه أمريكا ويتغلب عليها.

إن أفغانستان التي انتصرت على أمريكا عسكريًا عليها أن تنتصر عليها وعلى دول العالم كلها بالسعي لإقامة الخلافة، فأمريكا التي تهرب من الحرب العسكرية في أفغانستان، علينا نحن كأمة إسلامية أن نتغلب عليها في الحروب السياسية والاقتصادية وفي حرب الأفكار والقيم. وهذه الحروب، وإن كانت مهلكة للدول التي تحاربها أمريكا فهي واهية بالنسبة لدولة الخلافة، وسرعان ما ستنهار  أمريكا؛ وذلك لقوة النظام الإسلامي على كل صعيد… وإن القائمين على الحكم في أفغانستان أن يعوا ما ذكرنا، وأن يعرفوا حق الله عليهم في إقامة الدين في بلادهم وفي كل بلاد المسلمين عن طريق إقامة الخلافة الراشدة… وفي الختام، فإننا نستبشر من الله بخير إقامة نظام الإسلام الذي بشر بها رسول الله بقوله صلى الله عليه وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» فهنيئًا لمن كان من أهلها، فإنه شرف لا يدانيه شرف، اللهم اكتبنا من أهل طاعتك، اللهم اجعلنا من ثلة السابقين المقربين في آخر الزمان… اللهم آمين.

استعادة سلطان الأمة بإسقاط الأنظمة واقامة الخلافة (2) (لأنظمة العلمانية والسلطان المصطنع(


استعادة سلطان الأمة بإسقاط الأنظمة واقامة الخلافة (2) (لأنظمة العلمانية والسلطان المصطنع(

المهندس :ناصر وحان اللهبي – اليمن

مجلة الوعي: العدد 425 السنة السادسة والثلاثون، جمادى الثاني 1443هـ الموافق كانون الثاني 2022م

منذ أكثر من مائة عام والأمة ترزح تحت حكم الطواغيت الذين صنعهم الكافر المستعمر على عينه، والذين يحكمون الأمة بالكفر والضلال والظلم والفجور والطغيان، إن سلطان هذه الأنظمة ليس شرعيًّا، وليس له الصفة الشرعية المبنية على قاعدة «السيادة للشرع والسلطان للأمة»، فهو سلطان مصطنع، ولأن تولية الحاكم ليحكم بالعلمانية والليبرالية هو من الحكم بالكفر.

 ومن الأساليب الماكرة لتولية الرويبضات وايجاد السلطان المصطنع:

1- تولية الكافر المستعمر حكام الجور الذين يحكمون بلاد المسلمين لتحقيق أهدافه ومؤامراته ومخططاته الإجرامية منذ مائة عام…

2- المحافظة على هؤلاء الحكام ودعمهم بالمال والسلاح والموقف، بالرغم من أخذهم للحكم بصور مزيفة، بالانقلاب أو بتوريث الحكم، أو بالانتخابات المزوَّرة…

3- القيام بانتخابات ديمقراطية تعطي الحاكم سلطانًا قائمًا على أساس باطل هو حكم الشعب بدل حكم الله تعالى، وتكون شروط المرشحين مخالفة للإسلام من الفسق وعدم توفر العدالة، وتتبنى برامجهم الحكم بالكفر…

4- من خلال السلطان المصطنع، فرض المستعمر أفكاره التشريعية من دساتير علمانية وقوانين وضعية، وفرض سياسة اقتصادية تجعل اقتصاد البلاد مربوطًا باقتصاده القائم على اقتصاد السوق الحر ومرهونًا بالاتفاقات والمعاهدات والقروض الربوية، وفرض سياسته الثقافية بتدريسها في الجامعات والمعاهد وجعلها نبراسًا في الحقوق والتشريعات القضائية، وجعل البلاد مفتوحة للمنظمات والمؤتمرات والدراسات ومراكز الدراسات والأبحاث الغربية…

وحدد سياسة الحاكم الذي وضعه على رقاب المسلمين بالآتي:

1- أن يحكم الحاكم بأفكار المستعمر وتشريعاته ويسير على سياساته، وإلا تمت إزالة العميل من الحكم بالغزو (العراق) أو الانقلاب (مصر) أو القتال (اليمن) أو غيرها من الأساليب.

2- منع الأمة من الأخذ بأسباب النهضة، وجعلها متخلفة متأخرة في جميع المجالات، وضعيفة من ناحية القوة والتطور والتكنولوجيا.

3- إلزام الحكام بالرجوع إليه في جميع السياسات والأعمال والخطط والبرامج، سواء السياسية أم الاقتصادية أم العسكرية أم الزراعية أم الصناعية، والخدمية والصحية والسياسة التعليمية…إلخ.

4- تسليم ثروات البلاد ومقدراتها وإمكاناتها إلى المستعمر باسم الشريك الاستراتيجي أو الاتفاقات والعقود، ورهن البلاد والعباد بالربا والمساعدات والقروض والمنظمات.

5- قيام العميل بشن حروب بالوكالة لتنفيذ مخططاته ومؤامرته خارج البلاد التي يحكمها العميل كما حصل بتحريك آل سعود على اليمن وسوريا والعراق، أو تحريك إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وتحريك دويلة الإمارات إلى جنوب اليمن من قبل بريطانيا، أو تحريك تركيا وعميلهم أردوغان إلى سوريا والعراق وليبيا.

6- المحافظة على أمن وسلامة كيان يهود على أرض فلسطين المباركة، ودفع الحكام العملاء لتطبيع العلاقات معه، ومنع الأمة من الجهاد لتحرير الأرض المقدسة، وإلهاء الأمة بالشعارات والمناسبات (يوم القدس) حتى يتم صرف الأمة عن الجهاد تطهير أرض فلسطين من دنس ورجس الصهاينة الغاصبين.

أساليب ماكرة لمنع عودة سلطان المسلمين :

لقد حاولت الأمة إعادة سلطانها بعدة طرق وأساليب، ولكنها كانت في كل مرة تفشل لأسباب منها:

أولًا: إدراك الكافر المستعمر لخطورة عودة السلطان للأمة، وبالتالي العمل على إفشاله عن طريق العملاء الذين رفعوا شعار الإسلام ظاهرًا والعلمانية باطنًا، وعملوا على دغدغة مشاعر المسلمين بإطلاق شعارات وحروبًا كلامية وإعلامية كاذبة معهم كما هو حاصل بين (أمريكا وإيران) أو (أمريكا وتركيا) أو (أمريكا وجماعة الحوثي) فهذه الجماعة تطلق على سبيل المثال شعار (الموت لأمريكا)، وأمريكا تدعمها بتصنيفها ضمن قائمة (الجماعات الإرهابية) ما يقوي الجماعة بالتحشيد الشعبي لها في جبهات القتال، وخروج المسيرات والوقفات وتحريك الإعلام والخطابات، بحجة أن أمريكا أعلنت العداء لها جهارًا نهارًا، وهذه أحد أساليب خطف السلطان من الأمة!!…

ثانيًا: اختراق الثورات وسرقتها وحرف اتجاهها وركوب موجة التغيير كما حصل في ثورات سنة 2011م، ومن ثم التخطيط لإدخال البلاد في دوامة العنف والتدمير الممنهج، تحت ما عرف بالثورات المضادة…

ثالثًا: الحرب على جماعات التغيير الفكري والسياسي المخلصة والواعية، بشن حملات التشويه والتعتيم الإعلامي والمنع والحظر وتخويف الناس منهم، ثم الاعتقال والتعذيب حتى الوصول إلى الاغتيال…

رابعًا: ربط الأحزاب والجماعات والفصائل المنادية بالتغيير بدول الكفر ومخابراتها عن طريق مندوبين دائمين في الخارج، أو قيادات عميلة في الداخل، أو عن طريق غرف عمليات تقدم لهم الأموال لأجل جذب ضعاف النفوس لهم…

خامسًا: إلهاء الأمة بصراعات عبثية، والزج بأبنائها في اقتتال طائفي ليموتوا في سبيل غايات وأهداف لا تخدم سوى أعداء الإسلام…

سادسًا: تثبيت العملاء عن طريق الدعم الخارجي والقوة الداخلية والإعلام.

سابعًا: السيطرة على مكامن القوة، ومنع أهل النصرة والقوة من نصرة جماعات التغيير الحقيقي.

ثامنًا: إيهام المسلمين أن السلطان بيدهم، وأن صناديق الاقتراع الديمقراطية هي من ترجع إليهم سلطانهم…

الخلافة الراشدة واعادة سلطان الأمة :

إن إسقاط تلك الأنظمة المصطنعة وإعادة سلطان الأمة من أوجب الواجبات الشرعية؛ ولكن هذا الواجب يجب أن تنبري لتحقيقه جماعة ذات غاية ومنهاج قويم متبنى من الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وطريقة صحيحة لإرجاع السلطان المسلوب، والحق المغصوب، والحكم المفقود، ومتمثلة في قيادة مخلصة وواعية ونزيهة، ويكون الفكر والعمل من أجل غاية استئناف الحياة الإسلامية، والحكم بما أنزل الله عن طريق إقامة دولة الخلافة التي بها يتحقق سلطان الأمة، وما يهمنا هنا هو الضوابط والأحكام التي تعطي الأمة سلطانها؛ بحيث نؤسس لمنهاج تسير عليه الأمة، ولا تعود إلى الانتكاسة من جديد، وإليكم الضوابط الشرعية التي تبناها حزب التحرير كرائد لا يكذب أهله، وكعمل منظَّم وممنهَج ومقعَّد على العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية المنبثقة من هذه العقيدة، ولن تعطى الأمة حقوقها كاملة غير منقوصة إلا بتطبيق الإسلام تطبيقًا كاملًا شاملًا جميع مناحي الحياة كنموذج فذ في العالم.

أولًا: الأمة هي التي تنصب الخليفة:

إن السلطان كما أسلفنا أعطاه الإسلام للأمة، وفي هذا يقول الشيخ تقي الدين النبهاني (رحمه الله): «إن الشارع قد جعل السلطان للأمة، وجعل نصب الخليفة للمسلمين عامة، ولم يجعله لفئة دون فئة، ولا لجماعة دون جماعة، فالبيعة فرض على المسلمين عامة، روى الإمام مسلم عن عبدالله بن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: «… ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»؛ ولذلك ليس أهل الحل والعقد هم أصحاب الحق في نصب الخليفة دون باقي المسلمين، وكذلك ليس أصحاب الحق أشخاصًا معينين، وإنما هو الحق لجميع المسلمين دون استثناء أحد، حتى الفجار والمنافقين، ما داموا مسلمين بالغين؛ لأن النصوص جاءت عامة، ولم يرد ما يخصصها». ويضيف: «إن اجتمع عدة ممن توفرت فيهم صفات الخليفة، فالخليفة من انعقدت له البيعة من الأكثر، والمخالف باغٍ»، ويقول (رحمه الله): «يجب تمكين جميع المسلمين من مباشرة حقهم في نصب الخليفة، بغض النظر عما إذا استعملوا هذا الحق أم لم يستعملوه، يجب أن يكون في قدرة كل مسلم التمكن من القيام بنصب الخليفة بتمكينه من ذلك تمكينًا تامًّا؛ لأن الفرض الذي فرضه الله هو أن يجري نصب الخليفة من المسلمين برضاهم، لا أن يجريه جميع المسلمين… ولا يشترط عدد معين فيمن يقومون بنصب الخليفة، بل أي عدد بايع الخليفة، وتحقق في هذه البيعة رضا المسلمين بسكوتهم، أو بإقبالهم على طاعته بناء على بيعته، أو بأي شيء يدل على رضاهم. يكون الخليفة المنصوب خليفة للمسلمين جميعًا، ويكون هو الخليفة شرعًا، ولو قام بنصبه خمسة أشخاص، إذ يتحقق فيهم الجمع في إجراء نصب الخليفة، ويتحقق الرضا بالسكوت والمبادرة إلى الطاعة… أما إذا لم يتحقق رضا جميع المسلمين، فإنه لا يتم نصب الخليفة إلا إذا قام بنصبه جماعة يتحقق في نصبهم له رضا جمهرة المسلمين، أي أكثريتهم، مهما كان عدد هذه الجماعة… وعلى ذلك فليس بيعة أهل الحل والعقد هي التي يجري فيها نصب الخليفة، وليس وجود بيعتهم شرطًا لجعل نصب الخليفة نصبًا شرعيًّا، بل بيعة أهل الحل والعقد أمارة من الأمارات الدالة على تحقق رضا المسلمين بهذه البيعة؛ لأن أهل الحل والعقد كانوا يُعتبرون الممثلين للمسلمين، وكل أمارة تدل على تحقق رضا المسلمين ببيعة خليفة يتم بها نصب الخليفة، ويكون نصبه بها نصبًا شرعيًّا. وعلى ذلك فالحكم الشرعي هو أن يقوم بنصب الخليفة جمع يتحقق في نصبهم له رضا المسلمين، بأي أمارة من أمارات التحقق، سواء أكان ذلك بكون المبايعين أكثر أهل الحل والعقد، أم بكونهم أكثر الممثلين للمسلمين، أم كان بسكوت المسلمين عن بيعتهم له، أم بمسارعتهم بالطاعة بناء على هذه البيعة… وليس من الحكم الشرعي كونهم أهل الحل والعقد، ولا كونهم خمسة أو خمسمائة أو أكثر أو أقل، أو كونهم من أهل العاصمة، أو أهل الأقاليم، بل الحكم الشرعي كون بيعتهم يتحقق فيها الرضا من قبل جمهرة المسلمين، بأية أمارة من الأمارات، مع تمكينهم من إبداء رأيهم تمكينًا تامًّا».

ثانيًا: الخليفة نائب عن الأمة:

وفي هذا يقول حزب التحرير على لسان مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني: «الخليفة هو الذي ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع. ذلك أن الإسلام قد جعل الحكم والسلطان للأمة، تنيب فيه من يقوم به نيابة عنها. وقد أوجب الله عليها تنفيذ أحكام الشرع جميعها. وبما أن الخليفة إنما ينصبه المسلمون، لذلك كان واقعه أنه نائب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع؛ لذلك فانه لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأمة، فبيعتها له بالخلافة جعلته نائبًا عنها، وانعقاد الخلافة له بهذه البيعة أعطاه السلطان، وأوجب على الأمة طاعته. ولا يكون من يلي أمر المسلمين خليفة إلا إذا بايعه أهل الحل والعقد في الأمة بيعة انعقاد شرعية، بالرضى والاختيار، وكان جامعًا لشروط انعقاد الخلافة».

ثالثًا: اشتراط رضا الأمة في انعقاد الخلافة:

وفي هذا المجال يقول الشيخ تقي الدين: «الخلافة عقد مراضاة واختيار؛ لأنها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الأمر، فلا بد فيها من رضا من يبايع ليتولاها، ورضا المبايعين له… وكذلك لا يجوز أخذ البيعة من الناس بالإجبار والإكراه؛ لأنه حينئذ لا يصح اعتبار العقد فيها صحيحًا لمنافاة الإجبار لها؛ لأنها عقد مراضاة واختيار، لا يدخله إكراه ولا إجبار، كأي عقد من العقود… ومن هنا يتبين أنه لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولَّاه المسلمون». ويؤكد أن «الخلافة عقد مراضاة واختيار، فلا يجبر أحد على قبولها، ولا يجبر أحد على اختيار من يتولاها» ويقول:« لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون، ولا يملك أحد صلاحيات الخلافة إلا إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في الإسلام».

رابعًا: رفض الاستخلاف والعهد:

وفي هذا المجال يقول حزب التحرير في عدد من كتبه: «لا تنعقد الخلافة بالاستخلاف، أي بالعهد؛ لأنها عقد بين المسلمين والخليفة، فيشترط في انعقادها بيعة من المسلمين، وقبول من الشخص الذي بايعوه. والاستخلاف أو العهد لا يتأتى أن يحصل فيه ذلك، فلا تنعقد به خلافة. وعلى ذلك فاستخلاف خليفة لخليفة آخر يأتي بعده لا يحصل فيه عقد الخلافة؛ لأنه لا يملك حق عقدها، ولأن الخلافة للمسلمين لا للخليفة. فالمسلمون يعقدونها لمن يشاؤون، فاستخلاف الخليفة غيره، أي عهده بالخلافة لغيره، لا يصح؛ لأنه إعطاء لما لا يملك، وإعطاء ما لا يملك لا يجوز شرعًا.. وعقده فضولي لا يصح.. وأما ما روي أن أبا بكر استخلف عمر، وأن عمر استخلف الستة، وأن الصحابة سكتوا، ولم ينكروا ذلك، فكان سكوتهم إجماعًا، فإن ذلك لا يدل على جواز الاستخلاف؛ وذلك لأن أبا بكر لم  يستخلف خليفة، وإنما استشار المسلمين فيمن يكون خليفة لهم، فرشح عليًا وعمر. إن  المسلمين خلال ثلاثة أشهر في حياة أبي بكر اختاروا عمر بأكثريتهم، ثم بعد وفاة أبي بكر جاء الناس وبايعوا عمر، وحينئذ انعقدت الخلافة لعمر، أما قبل البيعة فلم يكن خليفة، ولم تنعقد الخلافة له، لا بترشيح أبي بكر ولا باختيار المسلمين له، وإنما انعقدت حين بايعوه، وقبل الخلافة». ويضيف:« إن نظام ولاية العهد يعتبر منكرًا في النظام الإسلامي، ومخالفًا له كل المخالفة؛ وذلك لأن السلطان هو للأمة وليس للخليفة. وإذا كان الخليفة إنما ينوب عن الأمة في السلطان مع بقائه لها، فكيف يجوز له أن يمنحه لغيره؟ وما فعله أبو بكر لعمر، لم يكن ولاية عهد، بل كان انتخابًا من الأمة في حياة الخليفة، ثم حصلت له البيعة بعد موته… بخلاف ما فعله معاوية من تولية ابنه يزيد، فإنه يخالف نظام الإسلام».

   ويقول: «من الجدير ذكره أن العهد بالخلافة للابن لم يكن هو الذي يجعل الابن خليفة بعد أبيه، بل إنه كان ينصب ببيعة جديدة تؤخذ من الناس، انعقادًا وطاعة، بعد وفاة الخليفة السابق. غير أنه كان يساء تطبيق البيعة أحيانًا، فبدل أخذها بالرضا والاختيار تؤخذ بالإكراه، إلا أن البيعة في جميع الأحوال كانت هي الطريقة لنصب الخليفة طيلة عصور الدولة الإسلامية، فتنعقد الخلافة له بالبيعة وليس بالوراثة أو ولاية العهد».

ويشرح ذلك مفصلًا في موضع آخر، فيقول:« أبو بكر استشار المسلمين في بيعة عمر بعد أن ثقل المرض على أبي بكر، وظن أنه ميت، جمع الناس فقال: «إنه قد نزل بي ما قد ترَون، ولا أظنني إلا ميتًا لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلَّ عنكم عقدتي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي» غير أن الناس لم يتفقوا على من يخلف أبا بكر، فرجعوا إليه فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، قال: فلعلكم تختلفون، قالوا: لا، قال فعليكم عهد الله على الرضا؟ قالوا: نعم، قال: أمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده.

وعاود أبو بكر استشارة كبار الصحابة، وكانت استشارته لهم سرية.. وبعد أن استقرَّ رأيه على عمر، استشار الناس استشارة علنية، إذ أشرف على الناس من بيته، وخاطبهم قائلًا: أترضون بمن استخلف عليكم؟ فإني واللهِ ما ألوتُ من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، فقالوا: نعم، فتابع قائلًا: وإني قد استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فأجاب الناس: سمعنا وأطعنا…وأقبل الناس على بيعة عمر إقبالًا تامًّا.. فكانت بيعة عمر بن الخطاب في المسجد من المسلمين هي البيعة التي انعقدت له بها الخلافة، وبها وجبت له الطاعة عليهم. وأما عهد أبي بكر إليه فلم يعدُ كونه ترشيحًا له بالخلافة، وحصرًا للترشيح لها فيه، ولم تنعقد له به خلافة، ولم تجب له به طاعة»، إنما كان ترشيحًا كأحد أفراد المسلمين، والمسلمون عليهم البيعة له.

والجدير ذكره في هذا المقال ما ذكره الأستاذ أحمد القصص مخاطبًا أحمد الكاتب:«إن وجوب طاعة الحاكم الظالم لا تعني، فيما نتبناه، أن تشاركه في معصيته، أو أن تنفذ المعصية التي أمر بها. وإنما يعني أن تبقى مطيعًا له في سائر أوامره الموافقة للشرع. كما أن طاعته لا تعني السكوت عن محاسبته وأمره ونهيه، وإنما يبقى ذلك واجبًا، وقد سماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جهادًا ووصف قتيله بسيد الشهداء. وبالتالي فإن ذلك لا يتعارض مع أمر الله تعالى بالعدل.

 قد ورد في كتبنا أن لكل فرد من أفراد الرعية التظلم لدى محكمة المظالم على الخليفة إن رأى منه ظلمًا، وفي هذه الحال فإن الخليفة لا سلطان له على محكمة المظالم. وقد ورد أيضًا أن الحاكم إن بلغ في ظلمه حد الفسق، فإن محكمة المظالم التي لا سلطان له عليها في هذه الحال أيضًا، تحكم بعزله.

إن القول بعدم طاعة الحاكم الظالم مطلقًا، يؤدي إلى استمرار الفوضى والتمرد في الدولة الإسلامية؛ لأن تحديد الظلم ليس أمرًا ميسورًا لكل الناس، وليس محل اتفاق بين جميعهم. وإن أخذنا بعين الاعتبار أن الحكام هم من البشر غير المعصومين، فإنه يتوقع بين آونة وأخرى أن يقع منهم خطأ أو ظلم. وتخيَّل الواقع لو أننا أتحنا لكل فرد من الرعية إعلان التمرد والعصيان عند أول خطأ أو ظلم. وما أعرفه أنك من الذين رفضوا «نظرية» وجوب أن يكون الحاكم «معصومًا». وللمناسبة، فإنه حتى الأنظمة الديمقراطية التي تردد ذكرها في كتاباتك، لا تعطي الناس الحق بأن يخالفوا القوانين والمراسيم والقرارات الرسمية أو الحق بالتمرد والخروج بالسلاح على الحاكم، إن هو خالف القوانين أو ارتكب ظلمًا».

إن الحزب لا يعمل على إعادة الخلافة بشكلها الاستبدادي الذي حصل منذ بداية العهد الأموي. وإنما يعمل على إعادة الخلافة كما شرعها الإسلام، وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة تطبيقًا عمليًا لها والتزمها بعده الخلفاء الراشدون، وهي ليست ظاهرة تاريخية، وإنما هي أحكام شرعية دلت عليها الأدلة الشرعية.

وأشار إلى إدراك الحزب لواقع الاستبداد بالسلطة واغتصابها منذ بداية العهد الأموي وإدراك خطورتها الكبيرة، وعرض الحلول والضمانات للحؤول دون عودتها. وقال: «إن خلافنا الأساسي معك ليس في تفاصيل نظام الحكم، وإن كان هذا الخلاف موجودًا. إنما الخلاف الحقيقي في منهج التفكير؛ إذ يبحث الحزب في الأدلة الشرعية ليأخذ منها الأحكام المتعلقة بنظام الحكم وسائر أنظمة الحياة والمجتمع والدولة.

إن اغتصاب السلطة والاستبداد بها كانت من أهم عوامل تراجع الدولة الإسلامية وانحطاط الأمة، وقد لحظها الحزب ضمن إساءات تطبيق الإسلام. إلا أن عوامل الانحطاط في الأمة أوسع بكثير من أن تختصر في هذا الجانب. فالأمم تتخذ هويتها من ثقافتها وأفكارها وأنظمتها التي تطبقها، فإن هي بدلت هذه المكوِّنات فقد بدلت هويتها. وإنك بتلمّسك عوامل النهوض للأمة من الغرب تكون قد طلبت الداء للشفاء عوضًا عن الدواء. فالديمقراطية كانت من مكونات نهوض المجتمع الغربي بوصفه مجتمعًا يقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وبالتالي فإن كونها من عوامل نهوض الغرب لا يعني البتة أن تكون من عوامل نهوض الأمة الإسلامية؛ ذلك أنه لا يمكن أن تتوافق مع العقيدة الإسلامية التي تنبني عليها أفكارها  وتنبثق منها أنظمة خاصة بها. فأنت حين تقتبس نظامًا ساهم في نهوض مجتمع ذي هوية معينة، إلى مجتمع يراد تكوينه بهويته الخاصة المختلفة، تكون كمن ينقل دمًا من جسد إلى جسد آخر مغاير له في فئة الدم، فيقتله بدل أن يمدّه بالقوة والعافية».

خامسًا: رفض الانقلاب العسكري :

ونتيجة لإيمان حزب التحرير بأن السلطان للأمة وضرورة انتخاب الإمام طوعًا بإرادتها، فقد رفض الاعتراف بشرعية حكومة المتسلط، أو القادم عبر الانقلابات العسكرية، وقال: «إذا قام متسلط واستولى على الحكم بالقوة فإنه لا يصبح بذلك خليفة، ولو أعلن نفسه خليفة للمسلمين؛ لأنه لم تنعقد له خلافة من قبل المسلمين، ولو أخذ البيعة على الناس بالإكراه والإجبار لا يصبح خليفة ولو بويع؛ لأن البيعة والإجبار لا تعتبر ولا تنعقد بها الخلافة؛ لأنها عقد مراضاة واختيار لا يتم بالإكراه والإجبار، فلا تنعقد إلا بالبيعة عن رضا واختيار، إلا أن هذا المتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة المسلمين في بيعته، وأن إقامة أحكام الشرع تحتم بيعته، وقنعوا بذلك ورضوا، ثم بايعوه عن رضا واختيار، فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة التي بويع فيها عن رضا واختيار، ولو كان أخذ السلطان ابتداء بالتسلط والقوة، فالشرط هو حصول البيعة، وأن يكون حصولها عن رضا واختيار، سواء كان من حصلت له البيعة هو الحاكم والسلطان، أو لم يكن».

ويضيف: «إذا لم يكن للمسلمين دولة خلافة ولا خليفة، وتطبق عليهم أنظمة الكفر وأحكامه –  كما هو الحال اليوم – فقام المسلمون، أو جماعة منهم، أو أصحاب القوة والمنعة فيهم، في قطر أو أكثر من أقطار المسلمين، فاستولوا على السلطة في ذلك القطر، وأزالوا الحاكم الذي يحكمهم بأنظمة الكفر وأحكامه، بغية استئناف الحياة الإسلامية، والعودة إلى الحكم بما أنزل الله، فيجوز لمن قاموا بالاستيلاء على السلطة أن يرشحوا شخصًا من المسلمين المؤهلين ليتولى الحكم والسلطان، والجامعين لشروط انعقاد الخلافة، وأن يجمعوا أهل الحل والعقد في ذلك القطر أو أكثرهم، وأن يطلبوا منهم أن يبايعوا هذا الشخص الذي رشحوه ليكون خليفة، فيقوم أهل الحل والعقد بمبايعته بالرضا والاختيار، على كتاب الله وسنة رسوله، فتنعقد له الخلافة بهذه البيعة، ثم يبايعه المسلمون في ذلك القطر مبايعة عامة، مبايعة طاعة ورضا، ومن ثم يباشر فورًا بوضع الإسلام كاملًا موضع التطبيق والتنفيذ، دون تأخير. وبذلك تعود دولة الخلافة إلى الحياة، ويعود تطبيق أحكام الإسلام وأنظمته إلى الوجود، وتتحول الدار في ذلك القطر إلى دار الإسلام».

وقد رفض الحزب بشدة الاستيلاء على السلطة بالقوة، وسمى ذلك اغتصابًا، وقال:» إن عقد الخلافة عقد مراضاة واختيار كسائر العقود لا يتم إلا بين عاقدين أحدهما: الأمة، والثاني: الحاكم أو الخليفة، فهو عقد حكم، فإذا فقد فيه أحد العاقدين بطل العقد كليًا، فكان كأي عقد من العقود الباطلة،   ويعتبر الحاكم حينئذ مغتصبًا للحكم، كأي مغتصب، ويطبق في حقه حكم الغاصب».

وتساءل حزب التحرير عن الموقف من الغاصب المتسلط من غير بيعة من المسلمين ولا اختيار منهم وحكم بالإسلام ، فهل يجب الخروج عليه؟ ثم نقل آراء بعض العلماء الذين أوصوا بالصبر وطاعة الحاكم الظالم؛ ولكنه أخذ عليهم الجمع في البحث بين عدة مسائل، كالبحث في الحاكم الظالم وفي أئمة الجور وفي السلطان المتغلب، على اعتبار أن كل ذلك مسألة واحدة هي منازعة السلطان، وقالوا بوجوب طاعتهم وعدم الخروج عليهم، واستدلوا بالأحاديث الواردة في طاعة الحاكم ولو ظلم مثل حديث حذيفة «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» (مسلم). في مقابل من استدل بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقالوا هذه الأحاديث أخص من تلك العمومات مطلقًا، أي أنها خصصت العام فتصرف لغير الحاكم، ويستثنى منها الحاكم» وقالوا: «إن السلطان مستثنى من حكم الغاصب؛ لأن أدلة حكم الغاصب عامة، وجاءت أدلة طاعة الحاكم خاصة، فهي مخصصة لذلك العموم، أي مستثناة من ذلك العموم فلا يطبق حكم الغاصب في حق السلطان، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث حذيفة بن اليمان: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع». (مسلم) فهذا مخصص لعموم أدلة الغصب بل لعموم أدلة كل الأحكام، يستثنى منها الحاكم، فلا يخرج عليه لاغتصاب السلطة، فلا يطبق في حقه حكم الغاصب. بدليل ما نقله الشوكاني ، قال:« وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال: من أريد ماله  أو حريمه أو نفسه فله المقاتلة، وليس عليه عقل، ولا دية، ولا كفارة، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه». انتهى. فهذا يدل على أنهم يستثنون الحاكم حتى لو كانت المسألة من باب الغصب.

  ورغم اعتراف حزب التحرير بتلك الأحاديث، وإيمانه بتخصيصها للعموم الوارد في الكتاب والسنة، إلا أنه فرق بين ارتكاب الحاكم للظلم في أثناء حكمه، وبين اغتصاب السلطة من البداية، وقال: «إن الأدلة الخاصة التي تستثني الحاكم إنما هي في حق الحاكم، إذا كان حاكمًا؛ ولكن مغتصب السلطة حين ارتكب جريمته لم يكن حاكمًا، بل كان شخصًا عاديًّا من الناس، فاغتصبها وهو ليس بحاكم، وبعد اغتصابها صار حاكمًا، فلا تنطبق عليه الأحاديث؛ لأن الجريمة قد ارتكبت من قبله وهو ليس بحاكم؛ ولذلك لا تنطبق عليه أحاديث الأمر بالصبر على أئمة الجور، وينطبق عليه حكم الغاصب، ولا يدخل في الاستثناء؛ ولهذا فانه يطبق في حقه مغتصب السلطة من الأمة بالقوة حكم الغاصب، ولا كلام».

  وتمسك حزب التحرير بوجوب رد الغاصب ما غصبه لصاحبه وتغليظ العقوبة عليه، وبجواز مقاتلته لرده عن أخذ المغصوب، ولاسترجاعه منه قتالًا بالسيف، ولو أدى لقتله، واستدل على ذلك بما روي عن السائب بن يزيد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادًّا ولا لاعبًا، وإذا وجد أحدكم عصا صاحبه فليرددها عليه» رواه أحمد. وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» رواه ابن ماجة. وأما الدليل على مقاتلة الغاصب بالسيف لمنعه من الغصب ولاسترداد المغصوب ما رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة قال: «جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطِه مالك؟ قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار» رواه مسلم. وفي رواية: «يا رسول الله أرأيت إن عدي على مالي، قال: فانشد بالله، قال فإن أبوا علي، قال: فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي؟ قال: فانشد بالله. قال فإن أبوا علي، قال: فقاتل، فإن قتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففي النار» رواه النسائي. ففي هذا الحديث طلب جازم بمقاتلة الغاصب، أي غاصب، بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم «فإن قتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففي النار»، وهي وإن صرفت عن الوجوب بمقاتلة غاصب المال لوجود قرينة مانعة من الوجوب، وهي أن لمالك المال أن يسامح الغاصب بماله، إلا أنها باقية على الوجوب بمقاتلة غاصب السلطة بقرينة مقاتلة الصحابة ليزيد».

  وقال: «هذا هو حكم الغاصب، وهذه أدلته وهذا هو حكم من يأخذ السلطة بالقوة من غير أن تعطيه إياها الأمة، فكل من يقدم على اغتصاب السلطة وأخذها بالقوة من غير أن تعطيه إياها الأمة، وهو السلطان المتغلب، إذا لم تبايعه بالرضا والاختيار فحكمه أن يقاتل بالسيف، حتى يمنع من اغتصاب السلطة، وحتى تسترد منه وتعاد للأمة».

  واستشهد بموقف الصحابة من جريمة اغتصاب السلطة لأول مرة في الإسلام، تلك الجريمة التي ارتكبها معاوية لابنه يزيد، وارتكبها يزيد حين تسلم الحكم بالفعل… وأخذ السلطة والبيعة بالقوة. وذلك حين ثار كبار الصحابة على السلطان المتغلب، ولم يسكتوا عليه، بل نازعوه وقاوموه وخلعوه كما فعل عبد الله بن الزبير والحسين بن علي وأهل المدينة الذين لم يكتفوا بالإنكار والامتناع عن البيعة، كما حصل منهم تجاه معاوية، بل شهروا بوجهه السيف وأعلنوا عليه القتال.

ولفت الحزب هنا إلى موقف الصحابة من معاوية؛ حيث لم يقاتلوه على اغتصاب السلطة بل اكتفوا بالإنكار والمقاومة؛ لأن معاوية كان حاكمًا وتولى أخذ البيعة ليزيد وهو حاكم، أي ارتكب هذا العمل وهو حاكم، والحاكم مستثنى من عموم أدلة الغصب بالأحاديث الواردة في طاعته، مثل حديث حذيفة «تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» والحاكم الشرعي لا يحل قتاله مهما عمل، إلا في حالة واحدة، إذا أظهر الكفر البواح؛ لأن هذه الحالة جاء بها النص، وما عداها لا يجوز، لأحاديث الطاعة والصبر على جور الأئمة؛ ولذلك لم يقاتله الصحابة واكتفوا بالإنكار بالقول. أما لو ارتكب هذه الفعلة النكراء ولم يكن حاكمًا فإنه يقاتل بالسيف أي السلاح.

سادسًا: انتخاب مجلس الأمة :

وهو صيغة متطورة عن (أهل الحل والعقد) يرى حزب التحرير أنهم يجب أن يأتوا عن طريق الانتخاب وليس التعيين، ويعطيهم دورًا أكبر مما كان لهم في التاريخ الإسلامي، أي دورًا إلزاميًا وليس استشاريًّا فقط، ولو أن الحزب يفصل في الأمور فيعطي الحق لمجلس الأمة أن يفرض رأيه في بعض الأحيان، ويعطي الخليفة الحق في فرض رأيه في أمور معينة.

وحول انتخاب مجلس الأمة، يقول الحزب في مشروع الدستور الذي يتبناه للمسلمين: «ينتخب أعضاء مجلس الأمة انتخابًا. ولكل من يحمل التابعية إذا كان بالغًا عاقلًا الحق في أن يكون عضوًا في مجلس الأمة، رجلًا كان أو امرأة، مسلمًا كان أو غير مسلم، إلا أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام أو من إساءة تطبيق الإسلام». ويقول في موضع آخر: «ينتخب أعضاء مجلس الأمة انتخابًا، ولا يعيَّنون تعيينًا؛ وذلك أنهم وكلاء في الرأي عن الناس، والوكيل إنما يختاره موكله، ولا يفرض الوكيل على الموكل مطلقًا، ولأن أعضاء مجلس الأمة ممثلون للناس أفرادًا وجماعات في الرأي، ومعرفة الممثل في البقعة الواسعة، والقوم غير المعروفين، لا تتأتى إلا لمن يختاره ممثلًا له… وعلى ذلك فإنه يستنبط من كون أعضاء مجلس الأمة وكلاء في الرأي، ومن كون العلة التي وجد من أجلها مجلس الأمة هي التمثيل للأفراد والجماعات في الرأي والمحاسبة».

  وحول إلزامية مجلس الأمة يقول:«الشورى والمشورة هي أخذ الرأي مطلقًا، وهي غير ملزمة في التشريع، والتعريف والأمور الفكرية ككشف الحقائق، وفي الأمور الفنية والعلمية، وتكون ملزمة عند استشارة الخليفة في كل ما هو من الأمور العملية والأعمال التي لا تحتاج إلى بحث وإنعام نظر. والمسائل التي تكون فيها الشورى ملزمة عند استشارة الخليفة يؤخذ فيها برأي الأكثرية بغض النظر عن كونه صوابًا أو خطأً، أما ما عداها مما يدخل تحت الشورى فيتحرى فيها عن الصواب بغض النظر عن الأكثرية أو الأقلية».

  ويؤكد: «أن مجلس الأمة يتكون من أشخاص يمثلون المسلمين في الرأي، ليرجع إليهم الخليفة لاستشارتهم في الأمور، وهم ينوبون عن الأمة في محاسبة الحكام… وأن الشورى حق لجميع المسلمين على الخليفة، فلهم عليه أن يرجع إليهم في أمور لاستشارتهم فيها… وكما أن للمسلمين حق الشورى على الخليفة، فإنه يجب عليهم محاسبة الحكام على أعمالهم وتصرفاتهم، والله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين محاسبة الحكام، وأمرهم أمرًا جازمًا بمحاسبتهم والتغيير عليهم إذا هضموا حقوق الرعية، أو قصروا بواجباتهم نحوها، أو أهملوا شأنًا من شؤونها، أو خالفوا أحكام الإسلام، أو حكموا بغير ما أنزل الله».

وبناء على ذلك يرى حزب التحرير أن  مجلس الأمة له الصلاحيات التالية:

     أ – استشارة الخليفة له وإشارته على الخليفة في الأعمال والأمور العملية المتعلقة برعاية الشؤون في السياسة الداخلية، مما لا تحتاج إلى بحث فكري عميق، وإنعام نظر…

 ب-  محاسبة الخليفة على جميع الأعمال التي تحصل بالفعل في الدولة…

 ج – إظهار عدم الرضا عن المعاونين والولاة والعمال، ويكون رأي أكثرية المجلس في ذلك ملزمًا، وعلى الخليفة عزلهم في الحال…

  د – انتخاب الخليفة، وذلك عبر حصر المرشحين للخلافة من الذين قررت محكمة المظالم توفر شروط الانعقاد فيهم. ويقول في المادة 33 من الدستور: «إن طريقة نصب الخليفة هي:

أ‌-  يجري الأعضاء المسلمون في مجلس الأمة حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلن أسماؤهم، ثم يطلب من المسلمين انتخاب واحد منهم.

ب‌- تعلن نتيجة الانتخاب ويعرف المسلمون من نال أكثر أصوات المنتخبين».

سابعًا: حق تكوين الأحزاب للمحاسبة:

إن الأحزاب في الإسلام قائمة على أساس العقيدة الاسلامية والأحكام الشرعية، وقد قام حزب التحرير استجابة لأمر الله تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤ ) [آل عمران: 104]، ويؤكد حزب التحرير على «حق المسلمين في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام أو الوصول للحكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكامًا شرعية، ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص».

 ويقول: «لما كان الحاكم عرضة لأن تجافيه التقوى، كان لا بد من وسيلة مادية تجبره على التنفيذ، أو تقصيه عن الحكم، وتقيم مكانه الحاكم الذي يطبق الإسلام ويحمل دعوته، وهذه الوسيلة العملية هي الأمة؛ ولذلك كان من واجب الأمة الإسلامية إذا رأت حاكمًا جائرًا مستحلًّا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله، عاملًا في عباد الله بالإثم والعدوان، أن تغيِّر عليه بالقول أو الفعل أو تغيره.

وتحتاج الأمة إلى تكتل صحيح على أساس الإسلام. وهذا التكتل هو الحزب المبدئي الذي يقوم على أساس الإسلام، غاية وفكرة وطريقة، والطريقة تقوم على ثلاث: (إيجاد الكتلة المؤمنة المخلصة الواعية، الصراع الفكري والكفاح السياسي وطلب النصرة من أهل القوة، استلام الحكم وإقامة دولة الخلافة). ومتى ما قام الحزب وقاد الأمة صار هو الرقيب على الدولة؛ لأنه الأمة أو ممثل الأمة. وهو الذي يقودها ويجعلها تقوم بواجبها، وهو مناقشة الدولة ومحاسبتها، والتغيير عليها بالقول أو الفعل، أو تغييرها إذا خيف على الإسلام منها.

ويتعسَّر على الأمة أن تناقش أو تحاسب الدولة دون أن يكون لها حزب يتولَّى مركز قيادة الأمة تجاه الدولة لوجود صعوبات جمة أمامها، لا يذللها إلا وجود قيادة موحدة تتمثل في تكتل، لا في فرد أو أفراد. ومن هنا كان لزامًا أن يقوم في الأمة حزب سياسي مبدئي. وإذًا، فان الضمانة الحقيقية لتطبيق الإسلام وحمل دعوته وإحسان تطبيقه هي الحزب السياسي الإسلامي».

ثامنًا: وحدة الدولة الإسلامية:

  وفي هذا المجال يقول حزب التحرير: «إن الدولة الإسلامية استمرت في الحكم دولة واحدة ووحدة واحدة، لم تتجزأ ولم تكن دولًا، وإنما كانت محاولات للوصول إلى الحكم رغبة في تنفيذ فهم معين للإسلام في شؤون الحكم، ثم انتهت وظلت الخلافة واحدة وظلت الدولة الإسلامية وحدة واحدة». ويضيف: «لقد كان تعدد فهم الإسلام وعدم تبني الخليفة أحكامًا معينة في نظام الحكم… أثر في تمكين بعض الحكام من الخلفاء والولاة من توجيه الحكم وجهة تؤثر في وحدة الدولة وفي قوتها؛ ولكن ذلك لم يؤثر في وجودها، فقد كانت الولاية العامة للولاة وإعطاؤهم صلاحيات واسعة نيابة عن الخليفة سببًا في تحرك أحاسيس السيادة فيهم، فصاروا شبه مستقلين في الولاية، واكتفوا ببيعة الخليفة والدعاء له من على المنابر وضرب النقد باسمه وما شابه ذلك من الأمور الشكلية. وبقي أمر الحكم في أيديهم مما جعل هذه الولايات شبه دول مستقلة، مثل الحمدانيين والسلجوقيين وغيرهم، إلا أن الولاية العامة لم تؤثر في وحدة الدولة باعتبارها ولاية عامة… ومهما بلغت قوة الوالي لم يكن يجرؤ على عدم الاعتراف بالخليفة، ولم تكن الدولة الإسلامية في يوم من الأيام اتحاد ولايات، حتى في أشد عهود استقلال الولاة، وإنما كانت دولة واحدة لها خليفة واحد، هو وحده صاحب الصلاحية في كل ناحية من نواحي الدولة في المركز، وفي الولايات، والمدن والقرى والدساكر على السواء».